للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[مطلوبية الحزم في جميع الجوانب]

أيها الأحبة! الحزم مطلوب، الجدية مع النفس، ويكفينا مضيعة الأوقات والساعات، تجد من الناس من إذا أراد أن يحزم في أمر نصف ساعة قال: إيه! النبي صلى الله عليه وسلم يقول: (ولكن ساعة وساعة) [إن النفوس إذا كلت ملت] كما قال علي أو غيره، وكما قال صلى الله عليه وسلم: (إن لعينك عليك حقاً، وإن لبدنك عليك حقاً) قام يأخذ من هذه الأحاديث، لكن يضيع عشر ساعات لا يذكر أنه مسئول عن وقته، ولا يتذكر قول النبي صلى الله عليه وسلم: (لن تزول قدما عبد يوم القيامة حتى يسأل عن أربع: عن عمره فيما أفناه، وعن شبابه فيما أبلاه، وعن ماله من أين اكتسبه وفيما أنفقه) ساعة جد تجد فيها هذا الإنسان يتثائب ويتساقط ويميل ما أكمل نصف ساعة، لكن عشر ساعات من الضياع، ومستعد أن يضيع مثلها وأضعافها، فرحم الله ابن هبيرة حيث كان يقول:

والوقت أنفس ما عنيت بحفظه وأراه أهون ما عليك يضيع

إذاً الحزم مطلوب في كل مجال وعلى كل صعيد، الحزم مطلوب على مستوى الفرد، وعلى مستوى الأسرة، الأب لا بد أن يكون حازماً في تربية أولاده، ولا بد في الحزم أن يوجِد نوعاً من القسوة ولا حرج:

فقسا ليزدجروا ومن يك راحماً فليقس أحياناً على من يرحمُ

بعض الناس الحب العاطفي الزائد عن حده لأولاده جعلهم يضيعوا، وأعرف رجلاً في مدينة الرياض فيه خير كثير يصلي الفجر مع الجماعة لكن (من دلَّع أولاده ودللهم شغل بهم) أصغرهم قال: يا أبي! نريد دشاً، من أجل أن نتابع ألـ ( m b c) وماذا بعد ذلك؟ لكي نتابع قناة القاهرة، وماذا بعد ذلك؟ لكي نتابع قناة كذا، ومازال الولد يصيح عليه ويتعلق به حتى جاء الأب واشترى له دشاً باثني عشر ألف ريال، وركبه على السطح.

أين الحزم في التربية؟ سمها قسوة ولا حرج:

فقسا ليزدجروا ومن يك راحماً فليقس أحياناً على من يرحمُ

لكن هذا الدش لما جاء أفسد الطفل الصغير، وأفسد الفتاة المراهقة، حتى الأب بعد مدة أصبح يسهر أحياناً، وربما تفوته صلاة الفجر ثلاثة أو أربعة أيام متتابعة، بسبب أنه ما كان يجلس عند التلفاز في ذلك الوقت، لكن عندما وضع هذه القناة أخذ تارة يقلب هذه وينظر في هذه والنفس لا تنتهي من البحث عن الملذات والشهوات تقول: هاه! يمكن في تليفزيون القاهرة صور زينة، دعنا نتفرج عليها، ثم يتحول إلى ألـ ( m b c) يمكن نلقى في القناة الثانية الهوائية صوراً أفضل من ذلك، وتجد الرجل يلعب بعيونه كالتنس على الطاولة، يبحث عن شاشة أو قناة فيها عرض لفتاة راقصة، أو لفخذ عارية، أو لجسد بادٍ، ونحو ذلك.

ولهذا فالحزم مطلوب، ليس فقط على مستوى تعامل الفرد مع نفسه، بل أيضاً على مستوى التربية، يأتيك واحد من أولادك: يا أبي! أعطني مائة ريال؟ ولماذا مائة ريال؟ بل مائة صفعة!! أنا مستعد أن أصرف عليك ألف ريال؛ لكن مائة ريال بلا سبب لا.

قال مثلاً: أريد كتاباً.

فهل أذهب به وأدعه يشتري؟ لا.

بل أسأله: أي كتاب تريد؟ وأشتريه ما لم يكن فيه فساد، يعني: (بيدي لا بيد عمر) لا تجعل ولدك يعبث بدلالك له، ولا تحرمه حرماناً تضطره إلى الآخرين يستجدي منهم، فربما اشترطوا عليه شروطاً في عرضه وفي أخلاقه وفي سلوكه مقابل ما يعطونه من المال، إذاً فسدد وقارب، واحفظ الأمر واجعله بيدك لا بيد غيرك.

كذلك الحزم على مستوى العمل، الإنسان حينما يكون عنده عمل معين ويلاحظ الموظفون من حوله أنه لا يأتي إلا آخر الناس، ولا يهتم، وتتراكم الأعمال حوله -وإن كان هو رئيس هذا العمل- تجد من حوله يعبثون لأنهم يرونه قدوة لهم.

إذا كان رب البيت بالدف ضارباً فشيمة أهل البيت كلهم الرقص

المسألة ليست غريبة، فإذا كنت تريد السعادة فكن حازماً في عملك، إذا كان عندك مستودع فكن حازماً مع العمال، عندك مؤسسة كن حازماً في المتابعة، عندك عمل إداري كن حازماً في الانضباط، ستجد أن من حولك يحترمون حزمك، ويحترمون شخصيتك ويحبونك، والناس يحبون الشجاع، ويحبون القوي، فالإنسان حينما يكون حازماً وقوياً جاداً ينعكس ذلك سعادة عليه، وينعكس هذا أيضاً على من حوله وعلى أداء عمله، وهذا الحزم مطلوب في كل مجال وعلى كل صعيد كما قلنا.