للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[وجوب حمد الله على نعمة الأمن]

الحمد لله على إحسانه، والشكر له على توفقيه وامتنانه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له تعظيماً لشأنه، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله الداعي إلى رضوانه، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً إلى يوم الدين.

أما بعد: فيا عباد الله: إن من نعم الله جل وعلا أن مكن لنا في هذه البلاد اجتماع شمل، ولو شئتم لعدتم بالذاكرة عقوداً وليست قروناً، عقوداً قريبة لترون كيف كان الناس لا يحجون إلا مجتمعين خشية قطاع الطرق، وربما قتل الرجل يوم أن كان في خرجه قليلٌُ من التمر أو البر أو الشعير، سواءً ظن الباغي أو العادي أن ذلك تمر أو (زكيبة) فيها ذهبٌ أو فضة، الناس لم يكونوا يأمنوا على أنفسهم إلا يوم أن مكن الله هذه الوحدة، وجمع الله هذا الشمل، ونسأل الله بمنه وكرمه أن يغفر لمؤسس هذه البلاد، وأن يجمعنا به في الجنة، وأن يعفو عنا وعنه، وأن يتجاوز عنا وعنه، وأن يغفر لنا وله، وأن يصلح ذريته، وأن يجمع شمل المسلمين والعلماء والدعاة والحكام من بعده، وأن لا يفرح على أحدٍ عدواً، ولا يشمت بأحدٍ من بعده حاسداً.

والله أيها الأحبة! إنا لننعم في أمرٍ يحاسب عنه غيرنا، فاحمدوا الله على هذه النعمة، وإن الناس كحباتٍ عقدٍ في سلك، تخيل عقداً فيه آلاف الحبات، أو ما يسمى بالسبحة مثلاً، عقدٌ فيه آلاف الحبات وخيطه واحد، إن الولاة والحكام هم ذلك الخيط، وإن الرعية هم ذلك العقد، فإذا لان الخيط أو انقطع انظر كيف تتناثر حبات العقد، أقول هذا، وإني والله لأنظر أمراً يدركه بعضكم، ويفقهه بعضكم:

ويكفي اللبيب إشارةٌ مرموزةٌ وسواه يدعى بالنداء العالي

إن من لم يفهم بالإشارة لا حاجة لنا إلى فهمه.

وإن اللبيب لبالإشارة يفهم

أدركوا هذه المعاني حتى لا يأتين يومٌ نقول فيه كما قال أهل الصومال: يا ليت الأمور تعود على ظلمٍ كنا نشكو منه، والآن عدنا نتمناه:

عتبت على سعدٍ فلما تركته وجربت أقواماً ندمت على سعد

أيها الأحبة: نسأل الله ألا يرينا يوماً نتمنى فيه سابق عهدنا، ونسأل الله أن يصلح أحوالنا، نسأل الله ألا يبقي أحوالنا على ما نحن عليه، بل نسأله أن يزيد الخير فينا، وأن يذهب الشر عنا، وأن يمحق المنكر من بيننا، إنه ولي ذلك والقادر عليه.

إن حدود الله لخيرٌ لهذه الأرض من كل ربيعٍ وغيم: (حدٌ يعمل به في الأرض خيرٌ لأهل الأرض من أن يمطروا أربعين صباحاً) حديثٌ حسن، أخرجه ابن ماجة.

أيها الأحبة: إن من واجبنا أن ندرك ذلك، وأن نفهمه، وحينما نتخبط يمنةً ويسرة بحماسٍ وغير حماس، بعاطفةٍ وعاصفة، بعلمٍ وجهل، بفقهٍ وغير فقه، فكأنما نحمل معاول لنهدم بها بيوتنا، فكأنما نأتي بخراطيم المياه على بيوت الطين لتنهار من أساسها، فكأنما نسير بالفتنة ونحن لا نعلم.

أيها الأحبة: إن من يشكك في هذا الكلام، أو ينازع فيه، أدعوه ومتكفلٌ بتذكرته، ومتكفلٌ بنفقات نقله أن يخرج معي أو مع من شاء في جولةٍ على الشريط الحدودي لهذه البلاد، در على خفر السواحل، وتجول مع سلاح الحدود، وانظر ما هي الحدود التي بينك وبين دولٍ عديدة، كم يحدك من الشمال ومن الجنوب، ومن الشرق ومن الغرب؟ أتظن أن ما تنعم به في داخل الوطن، أو في داخل البلاد جاء عبثاً أو هملاً؟ ذلك بفضل الله أولاً، ثم بفاتورة أمنٍ تدفع.

أيها الأحبة: كما رأيت ولا أقول ذلك والله إلا حسبةً لله، تدفع بثمنٍ باهظ، الشريط الحدودي للمملكة على البحر الأحمر كم كيلو؟ الشريط الحدودي المتاخم على حدود العراق والشام والخليج كم؟ الشريط الحدودي المتاخم للجنوب كم؟