للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[الشفاعة الكبرى والمقام المحمود لنبينا محمد صلى الله عليه وسلم]

أيها الأحبة! عندما يساق أهل الجنة إلى الجنة معززين مكرمين، زمراً إلى جنات النعيم، إذا أقبلوا على أبوابها فتحت وشرعت لهم أبوابها، من المصاريع إلى المصاريع، تفتح هذه الأبواب، ثم تجد جموعاً من المستقبلين ومن المهنئين، وجموعاً من المضيفين، وجموعاً من المكرمين، الملائكة الكرام يهنئون أهل الجنة بسلامة الوصول عند هذا الباب، بعد ماذا؟ بعد معاناة طويلة، بعد النفخ في الصور بعد الخروج من الأجداث بعد الحشر بعد النشر بعد الهول بعد تطاير الصحف بعد رجحان الموازين إما بحسناتٍ أو بغيرها بعد أن تدنو الشمس من الخلائق فتكون على رءوسهم قدر ميل بعد أن يشتد الكرب بأهل الموقف حتى يقول أهل الموقف: من يشفع لنا؟ من يعيننا؟ من يخلصنا؟ من يدفعنا عن موقفنا هذا؟ فيلتفتون إلى آدم لا يريدونه أن يخلص بل يريدون منه شفاعة، فيقول: لست لها، فيذهبون بعد ذلك إلى إبراهيم فيقول: لا.

لست لها، فيذهبون إلى نوح فيقول: لا.

لست لها.

ويمرون بعددٍ من أولي العزم من الرسل حتى يأتون نبينا وحبيبنا وشفيعنا وقائدنا وإمامنا، وهادينا، وقدوتنا رسولنا صلى الله عليه وسلم فيقولون: يا محمد! اشفع لنا إلى ربك ألا ترى إلى ما نحن فيه من شدة هولٍ وحال؟ فيقول: (أنا لها) يقول صلى الله عليه وسلم: (فيفتح الله علي بمحامد لم أكن أعرفها قبل ذلك الحين، ثم أخر ساجداً لربي أسبحه وأدعوه، وأحمده وأدعوه، وأحمده وأناجيه؛ حتى يقول الجبار جل وعلا: يا محمد! ارفع رأسك، وسل تعط، واشفع تشفع) فيشفع صلى الله عليه وسلم الشفاعة العظمى لأهل الموقف أي: يخفف عنهم ما هم فيه من الهول العظيم، ثم يشفع لأقوامٍ من المؤمنين فيدخلون الجنة بغير حساب، ويشفع لأقوامٍ قد استحقوا النار فيعافيهم الله ويسلمهم من النار، ويشفع لأقوامٍ تخفف درجاتهم في النار أو يخرجون من النار بعد أن يمكثوا منها قليلاً، ويشفع شفاعة خاصة لعمه أبي طالب ذاك الذي كان كثيراً ما يحنوا عليه، ويحدب عليه، ويصونه، ويحوطه، ويعيله، ويقف معه، ويجاهد قريشاً دونه، ولكن ما نفعه ذلك؛ لأنه ما قال: لا إله إلا الله وحده لا شريك له، أبو طالب الذي يقول:

ولقد علمت بأن دين محمدٍ من خير أديان البرية دينا

لولا الملامة أو حذارِ مسبة لوجدتني سمحاً بذاك مبينا

والله لن يصلوا إليك بجمعهم حتى أوسد في التراب دفينا

أبو طالب الذي وقف وقفة الجبل مع النبي صلى الله عليه وسلم ومع ذلك ما نفعه ذلك؛ لأن الجنة لا يدخلها إلا الموحدون؛ لأن الجنة لا يدخلها إلا من سلم من الشرك، من سلم من نواقض التوحيد، من سلم مما يشوب توحيده وإيمانه.