معاشر المؤمنين! إن المصائب لا يردها الجزع، بل يضاعفها، ولو علم العبد أنه بجزعه على المصيبة يفوت على نفسه ثواب الصبر والتسليم، من الصلاة والرحمة الهداية، التي ضمنها الله على الصبر والاسترجاع، لأدرك أن ذلك أعظم من المصيبة في الحقيقة.
ثم إن الجزع على المصائب يا عباد الله يُشمت الأعداء، ويسوء الأصدقاء، ويُغضب الرب ويسر الشيطان، ويحبط الأجر ويُضعف النفس، فإذا صبر واحتسب على ما قدر الله عليه؛ أقصى شيطانه ودحره خاسئاً، وأرضى ربه وسر صديقه وساء عدوه، وحمل عن إخوانه وعزاهم قبل أن يعزوه، فهذا هو الثبات والكمال الأعظم، والصبر الأجل عند أقدار الله، لا كما يفعل الجهال من لطم الخدود وشق الجيوب، أو الدعاء بالويل والثبور والسخط على المقدور.
ثم إذا علم العبد أن ما يعقب الصبر والاحتساب من اللذة والمسرة أضعاف ما كان يحصل له ببقاء ما أصيب به لو بقي له، ويكفي العبد الصابر في صبره على مصيبته بيت الحمد، الذي يبنى له في الجنة على حمده لربه واسترجاعه، فلينظر أي المصيبتين أعظم؟ مصيبة العاجلة أم مصيبة فوات بيت الحمد في جنة الخلد؟ روى الترمذي مرفوعاً إلى النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال:(يود ناس يوم القيامة أن جلودهم كانت تقرض بالمقاريض في الدنيا، لما يرون من ثواب أهل البلاء يوم القيامة) وقال بعض السلف: لولا مصائب الدنيا لوردنا القيامة مفاليس.
ثم إن العبد المؤمن إذا حلت به المصيبة وصبر عليها واحتسب؛ فإنه يُروح قلبه رجاء الخلف من الله.
من كل شيء إذا ضيعته عوض وما من الله إن ضيعته عوض
لكل مصيبة من المصائب حظ يلحق بصاحبها، بحسب حاله وموقفه منها، فإن رضي فله الرضا، وإن سخط فله السخط، فاختر إما خير الحظوظ أو شرها، فإن أحدثت لك سخطاً وكفراً؛ كُتبت في ديوان الهالكين، وأن أحدثت مصيبتك جزعاً وتفريطاً في ترك واجب أو فعل محرم، كُتبت في ديوان المفرطين، وإن أحدثت لك شكاية وعدم صبر؛ كتبت في ديوان المغبونين، وإن أحدثت لك اعتراضاً على الله وقدحاً في حكمته وقدره؛ فقد قرعت باب الزندقة إن لم تلجه، وإن أحدثت لك صبراً وثباتاً ورضا؛ كُتبت في ديوان الصابرين الراضين، وإن أحدثت لك حمداً وشكراً؛ كتبت في ديوان الشاكرين، وكنت تحت لواء الحمد مع الحمّادين، وإن أحدثت لك محبة واشتياقاً، كتبت في ديوان المحبين المخلصين.
فيا عباد الله! لا ألذ ولا أنجع في المصائب من الصبر عليها، والحمد والرضا بقضاء الله وقدره فيها، يقول بعض الحكماء: العاقل يفعل في أول يوم من المصيبة ما يفعله الجاهل بعد أيام، ومن لم يصبر صبر الكرام سلا سلو البهائم، وفي الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم:(الصبر عند الصدمة الأولى).