للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[يومك يومك]

ويا خائفاً من المستقبل! ويا شارد الذهن! ويا قلق الفكر! ويا مضطرب المواقف! عليك أن تهتم بعمل اليوم والساعة واللحظة، إن كثيراً من المهمومين والمغمومين إذا حدثته وجلست معه، وجدته لا يحدثك إلا عن أيام خلت وسنين مضت، أو يحدثك عن أهلةٍ لم تبزغ بعد، وعن أقمارٍ لم تكتمل بعد، وما هو في مقدورك، وقد يأتي ذلك الهلال أو ذلك البدر وأنت تحت الدنيا ولست فوقها:

ما مضى فات والمؤمل غيب ولك الساعة التي أنت فيها

اشتغل بساعتك، اشتغل بلحظتك، اشتغل بيومك، اشتغل بقضيتك، أما ما مضى فأمره إلى الله.

فإن كنت بالأمس اقترفت إساءةً فثنِّ بإحسانٍ وأنت حميدُ

إذا كان ما مضى شهد عليك بمعصية، وزلة وخطيئة، وإثم وجريمة، فإن حاجتك هذا اليوم لعلاج ما مضى بأن تملأ اليوم بالتوبة، وبالذكر والاستغفار حتى يمحو ما مضى، وأقم الصلاة، يقول الله جل وعلا: {وَأَقِمِ الصَّلاةَ طَرَفَيِ النَّهَارِ وَزُلَفاً مِنَ اللَّيْلِ إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ ذَلِكَ ذِكْرَى لِلذَّاكِرِينَ} [هود:١١٤].

هكذا أيها الأخ المسلم: أنت بحاجة أن تتعامل مع الساعة، أن تتعامل مع اللحظة، وكما قال أبو بكر رضي الله عنه وأرضاه لـ عمر بن الخطاب: [إن لله عملاً في الليل لا يقبله في النهار، وإن لله عملاً بالنهار لا يقبله بالليل] فحاجتك أن تعطي الليل وظيفته، وأن تعطي النهار وظيفته، فإنك بذلك تحصل خيراً كثيراً، اشتغل بساعتك، ما مضى إياك أن تكون جزعاً قلقاً فيه فقد مضى وانتهى، ولا تستطيع البشرية رد ثانية أو دقيقة أو أقل أو أكثر منه؛ لأنه مضى وانتهى، وأما المستقبل فلا تستطيع البشرية أن تجر شمس غدٍ إلى هذه الساعة، ولا تستطيع البشرية أن تجر ظلام الليلة المقبلة إلى هذه اللحظة التي نعيش فيها، فعليك أن تعيش ساعتك، عش يومك وعش لحظتك بعمل صالح بتوبة باستغفار بعمل نافع بوظيفتك بما أنت فيه، فإن ذلك مما يجعلك مطمئن البال، مرتاح النفس، مطمئن الضمير، وحينئذٍ لن يكون للهموم والغموم إلى نفسك سبيلاً، اشتغل بساعتك اشتغل بيومك اشتغل بما ينفعك.

إني وجدت كثيراً من الناس قد أفسد الشيطان عليهم أيامهم، فتجده ربما يفكر في ذنوبه التي سلفت، ولكنه في لحظة التفكير لا يقدم استغفاراً يمحو ذنوبه، ولا يقدم حسنة تمحو سيئاته، ولا يقدم صالحاً يستر زلاته أو يمحوها، مجرد تفكير في ما مضى دون أن يعالج ما مضى بفعل في حالته.