للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[السبيل إلى زيادة الإيمان في القلب وترقيقه]

السؤال

ما هو السبيل إلى زيادة الإيمان في القلب وترقيق القلوب، لأنه كما نعلم إن زيادة الإيمان من أهم الأسباب التي تجعل الإنسان كفؤاً للمسئولية، وحبذا يا فضيلة الشيخ لو أسمعتنا أبيات ابن القيم في سلعة الرحمن؟

الجواب

من معتقد أهل السنة والجماعة رضوان الله عليهم ورحمة الله عليهم أن الإيمان قول واعتقاد وعمل، يزيد بالطاعة وينقص بالمعصية، فالطاعات من وسائل زيادة الإيمان، والذي يجد قسوة في قلبه، ولا يحضره خشوعه في صلاته، فعليه أن يكثر من الاستغفار والصلاة والأعمال الصالحة عامة؛ فإنها بإذن الله جل وعلا تعينه وتكون سبباً في سعادته.

وأما كلام ابن القيم في النونية المسماة بـ الكافية الشافية، فإننا للأسف -أيها الأحبة- نصف الجنة ولا نتحمس لدخولها، ونعرف وصف النار ولا نأخذ الأهبة والحيطة للبعد والنجاة منها، فالله المستعان برحمته أن ينجينا من عذابه، وأن يدخلنا برحمته في جنته:

يا سلعة الرحمن لست رخيصة بل أنتِ غالية على الكسلان

يا سلعة الرحمن سوقك كاسد فلقد عرضت بأيسر الأثمان

يا سلعة الرحمن سوقك كاسد بين الأراذل سفلة الحيوان

يا سلعة الرحمن ليس ينالها في الألف إلا واحدٌ لا اثنان

يا سعلة الرحمن كيف تصبَّر الخطاب عنك وهم ذوو إيمان

يا سلعة الرحمن سوقك كاسد فلقد عرضت بأيسر الأثمان

حور تزف إلى ضرير مقعد يا محنة الحسناء بالعميان

وروى أبو داود في سنن له ورواه أيضاً أحمد الشيباني

أثراً تضمن أجر خمسين امرئ للعاملين بسنة العدناني

ما ذاك إلا أن تابعهم هم الغرباء ليست غربة الأوطان

إن التمسك بالسنة في زمن الغربة له أجر عظيم بإذن الله جل وعلا.

أحبابنا إن من الأمور التي أغرقنا فيها وتعمقنا فيها ما يسمى بديناميكية الدعوة وميكانيكية الدعوة، حتى أصبح الإنسان يفكر بالدعوة تفكيراً ديناميكياً آلياً بحتاً، وفعلاً غابت عنا الرقائق وغاب عنا التشويق والتخويف، ولذلك تجد رمضان يدنو منا -أسأل الله أن يبارك لنا في شعبان وأن يبلغنا وإياكم رمضان- فتجد الآيات العظمية التي تهد الجبال {هَذَانِ خَصْمَانِ اخْتَصَمُوا فِي رَبِّهِمْ فَالَّذِينَ كَفَرُوا قُطِّعَتْ لَهُمْ ثِيَابٌ مِنْ نَارٍ} [الحج:١٩].

آيات كثيرة فيها تهديد ووعيد، وتجد الواحد يفتح عينيه، فتطير في السماء، وحينما يأتي القنوت آه آه، قلبك غافل يوم كان كلام الله يتلى، ويوم جاء القنوت أخذت تتصنع البكاء وتتباكى أكثر من اللازم بتكلف؛ أين البكاء والخشية من كلام الله جل وعلا؟ نحن نحتاج أن نراجع النفوس، هل سيكون الدعاء المصفصف والمنمق من قبل أحد الأئمة أدعى إلى بكائك من كلام الله جل وعلا؟ في قلوبنا مرض.

كذلك الآيات التي فيها الكلام عن الجنة: {فَلا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} [السجدة:١٧] في الجنة ما لا عين رأت، ولا أذن سمعت، ولا خطر على قلب بشر، أدنى أهل الجنة منزلة من يملك كملك أهل الأرض عشر مرات، ولكن أيها الأحبة إننا نعلم يقيناً إن كل واحد منا يتيقن أن الجنة والنار حق، ونعيم الجنة حق، وعذاب النار حق، لكن للأسف نحن غير مهتمين، والسبب: {كَلَّا بَلْ رَانَ عَلَى قُلُوبِهِمْ مَا كَانُوا يَكْسِبُونَ} [المطففين:١٤] معصية ونظرة، وكلمة، وغيبة ونميمة وغفلة، وهمز ولمز، فتكون هذه حجب تمنع من التفاعل مع الآيات والأحاديث التي فيها الوعد والوعيد، لذا يا إخواني! وقد قدمنا على الشهر الكريم؛ أحذركم من فوازير رمضان، ومسلسلات بعد العصر في التلفاز.

هذا أحد الشباب يقول: والله ذاك اليوم الذي أحجب بصري عن التلفاز، إنني أخشع مع الإمام، وأتلذذ لذة عظيمة في صلاة التراويح، وأما ذلك اليوم الذي أتساهل فيه؛ فأنظر إلى المسلسل والنكت السخيفة أو الطريفة أو غيرها بعد العصر، والفوازير بعد المغرب، وأدخل إلى الصلاة وكأني أصب ماء على صفوان صلب -حجر يابس- لا يمكن أن تجد فيه أي نعومة أو ليونة، نعم.

إذا أردت الخشوع؛ فتهيأ للخشوع؛ إذا أردت لذة الصلاة؛ فتهيأ لها، وأعظم لذة كما قال ابن المبارك: اترك فضول النظر؛ توفق إلى الخشوع، واترك فضول السماع؛ توفق إلى التلذذ بكلام الله وكلام رسوله صلى الله عليه وسلم.

كان الصحابة والسلف ومن قريب الآباء والأجداد، تجد الواحد منهم قد احدودب ظهره، بلغ المائة أو جاوزها، يصلي ويتهجد، وإذا ذكرت الجنة قام يبكي وله نشيج، أحد كبار السن يحدث عن زمن ليس بعيد، وكان قد سمى فلاناً من الأئمة أظنه الشيخ العجيلي رحمه الله قال: يقرأ {حُورٌ مَقْصُورَاتٌ فِي الْخِيَامِ} [الرحمن:٧٢] وكان وراءه رجل كبير في السن، وأخذ يبكي ويقول: أسأل الله أن يعيننا على جهيزهن، أي على العمل الصالح، الله أكبر! حينما تذكر الجنة يتخيل الجنة، ويتخيل برحمة الله أنه سيرى رسول الله صلى الله عليه وسلم.

يا أخي! أريدك أن تحلق بخيالك ثم بحقيقة فكرك وقلبك ولبك، تخيل أنك في الجنة، بجوار رسول الله صلى الله عليه وسلم، أما تشتهي قبلة على جبين الحبيب صلى الله عليه وسلم؟! أما تشتهي جلسة مع أبي بكر الصديق؟! أما تشتهي حديثاً من الروح مع عمر بن الخطاب؟! أما تشتهي أن يحدثك الصحابة عن بسالتهم في الجهاد في سبيل الله؟! أما تشتهي الأخت المسلمة أن تجلس مع خديجة وكيف كانت تثبت رسول الله صلى الله عليه وسلم وتقول: كلا والله لا يخزيك الله أبداً؟ أما تشتهي أمي وأمك، وأختي وأختك، وزوجتي وزوجتك أن تسمع حديث زوجات النبي صلى الله عليه وسلم؟! للأسف أصبحنا نتكلم عن قضايا الواقع، ومخططات أعداء الإسلام، حلقنا فيها كثيراً كثيراً، ولم تعد الأحاديث عن الجنة تهزنا أو تحدر دمعة من مآقينا على خدودنا.

إن بعض الشباب يقول: فلان ليس عنده إلا المواعظ والترغيب والترهيب، والله جل وعلا قد أثنى على خيرة خلقه أنبيائه ورسله، فقال: {إِنَّهُمْ كَانُوا يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ} [الأنبياء:٩٠] فهل أنت تسارع في الخيرات؟ {وَيَدْعُونَنَا رَغَباً} [الأنبياء:٩٠] يرغبون في الجنة {وَرَهَباً} [الأنبياء:٩٠] خوفاً من النار {وَكَانُوا لَنَا خَاشِعِينَ} [الأنبياء:٩٠].

الذي ما يطمع في الجنة ويخشى من النار؛ فيه حب الصوفية المسمى بالعشق الإلهي، يقولون: عبدتك لا خوفاً من نارك ولا طمعاً في جنتك.

أعوذ بالله.

فيا أحبابنا تشوقوا وعلقوا أنفسكم بالجنة ونعيم الجنة.

الذي عنده زوجة دوخته، ينظر في الحور العين التي ترضيه وتهنيه ويسعدها وتسعده، الذي يشكو مرضاً يعلق نفسه بالجنة: (يا أهل الجنة! إن لكم أن تصحوا فلا تسقموا أبداً، وأن تشبوا فلا تهرموا أبداً).

لا طيب للعيش مادامت منغصة لذاته بادكار الموت والهرم

حياتنا حتى وإن متعنا فيها لا تساوي أول ليلة ينزل فيها الواحد إلى القبر، أنعم أهل الأرض يغمس في النار غمسة فيقال: يا عبدي! هل مر بك نعيم قط؟ يقول: لا يا رب.

إنسان منذ أن وضعته أمه إلى أن مات وهو في نعيم؛ في حرير، في ملذات، في مآكل، في مشارب، في أقل من اللحظة غمسة خفيفة في النار يصرخ منها ويقول: والله ما مر بي نعيم قط {فَمَا مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا فِي الْآخِرَةِ إِلَّا قَلِيلٌ} [التوبة:٣٨].

قال صلى الله عليه وسلم: (مثل الحياة الدنيا بالنسبة للآخرة كمثل ما يضع أحدكم أصبعه في اليم، فلينظر بم يرجع).

الآخرة ذلك البحر المتلاطم، والدنيا تلك القطرة التي تعلق بأنملتك حينما تغمس أنملتك في البحر، فمن ذا الذي يبيع هذه الآخرة الغالية بهذه الدنيا التافهة الفانية، نسأل الله جل وعلا أن يعيذنا وإياكم من الغفلات: {وَلا تَكُنْ مِنَ الْغَافِلِينَ} [الأعراف:٢٠٥].

الحذر من الغفلة، فليتذكر الإنسان: {إِنَّ الَّذِينَ اتَّقَوْا إِذَا مَسَّهُمْ طَائِفٌ مِنَ الشَّيْطَانِ تَذَكَّرُوا} [الأعراف:٢٠١] تذكر يا أخي وقرب نفسك دائماً مع الأخيار والأبرار: {وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ وَلا تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ} [الكهف:٢٨].

لا تغرك المراكب ولا المساكن؛ إذا رأيت نعيماً فاذكر أن في الجنة أفضل منه، وإذا رأيت مصيبة؛ فتذكر أن في النار شراً منها، ففي كل الأحوال ترتبط بالآخرة.