[قيامها على دعوى العلمانية]
كذلك أيها الأحبة! في دعوى العلمانية التي يقوم عليها هذا الحزب: لا دخل للدين بالدولة، لا علاقة للدين في الدولة، كلٌ يعمل ما يشاء، كلٌ يتصرف كيفما يحلو له، لا سلطان، ولا أمر ولا نهي، ولا قليل ولا كثير للدين في أمور الحياة، سواء الشخصية أو الاجتماعية، أو الاقتصادية والسياسية والدولية وغيرها، ما فائدة هذا القرآن إذاً؟ إذا كان عمالقة بل أقزام البعث الكفار الملاحدة يعطلون القرآن، وماذا يقولون في القرآن؟ يقول طاغوت البعث مؤسس الحزب، ومن حذا حذوه ممن يسمون بالسنة، وقد خرجوا من الدين، كما يقول أحدهم لما نوقش في أمر البعث، قال: ليس ميشيل عفلق هو مؤسس البعث وحده، بل هناك صلاح البيطار مثلاً، هناك فلان وفلان مثلاً، وهم من السنة، قال: نعم.
صدق هذا سني كافر.
فعلاً، كيف تضيق عقولنا عن رؤية الجبال، ولا تبصر إلا أدنى الأمور، وليست في محلها ولا في موقعها؟!! يقول أولئك من كافرهم وسنيهم الذي يزعم هذه السنية، والسنية منه براء: القرآن تاريخٌ وكتابٌ أدبي جيد.
يعني: أن القرآن كلام الله المنزل من فوق سبع سماوات هذا أمرٌ لا اعتبار به! أن القرآن المعجز في نبئه وخبره، وحكمه وعباراته لا عبرة له! القرآن المتعبد بتلاوته لا عبرة له! القرآن الذي يجب الرجوع والتحاكم إليه: {فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجاً مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيماً} [النساء:٦٥] أيضاً هذا لا عبرة له! إنما نعترف بالقرآن، يقول البعثيون: نعترف بالقرآن؛ لأنه عربي اللغة، ولأنه كتابٌ أدبيٌ جيد.
والله إن بعض النصارى لأفضل في معتقدهم من هؤلاء البعثيين؛ لأن بعض النصارى يقولون: الإنجيل كلام الله، والقرآن كلام الله، والتوراة كلام الله، وليس أحدهم أفضل من الآخر.
ونحن ولا شك نعتقد أن القرآن خاتمٌ مهيمنٌ حاكمٌ ناسخٌ للرسالات السابقة، لكن أولئك لا يعترفون حتى بأن سندية هذا القرآن في كونه كلام الله، بل لكونه كتاباً أدبياً جيداً، ويقولون: إن محمداً بطلٌ عربي.
إذاً، ليست الأمة ترفع رأسها بالنبي صلى الله عليه وسلم لأجل نبوته، وإنما لأجل عروبته، إذاً لماذا لا نرفع الرأس بـ أبي لهب؟ لماذا لا نرفع رءوسنا بـ أبي جهل؟ لماذا لا نرفع رءوسنا بأشقى القوم عقبة بن أبي معيط؟ لماذا لا نرفع رءوسنا بـ كعب بن الأشرف اليهودي، وسلام بن أبي الحقيق؟ إذا كان شرف الأمة في محمدٍ بعروبته فليس محمد وحده عربياً، بل هناك من العرب الكثير؛ عبد الله بن أبي بن سلول زعيم المنافقين أيضاً عربي، لماذا لا يرفع به الرأس؟ لكنهم لم يستطيعوا أن يقولوا هذه الأفكار صريحةً، وإنما خرجوا أو ظهروا بشيءٍ يفهمه من يفهمه ويجهله من لا يعلمه: {وَلَوْ نَشَاءُ لَأَرَيْنَاكَهُمْ فَلَعَرَفْتَهُمْ بِسِيمَاهُمْ وَلَتَعْرِفَنَّهُمْ فِي لَحْنِ الْقَوْلِ} [محمد:٣٠] والله إن من تأمل أفكارهم وقرأ شيئاً من كتاباتهم علم كل العلم منتهى وإغراق الإلحاد والكفر والمروق والخروج من الدين والشريعة فيما يعتقدونه، فهل بعد هذا يا عباد الله! نظن أن تكفيرنا للبعثيين الملاحدة هو عن موجة عاطفية أو نخوةٍ وطنية؟! لا -والله- نجرؤ على تكفير مسلمٍ إلا بما نطق به، وشهد به على نفسه مما يخرجه من الدين ويظهره من الملة، فقد كفروا ولا شك في كفرهم معاشر المؤمنين.
نعم.
قد يكون معهم من السذج والبسطاء، والجهلاء والغوغاء، لكن إذا أصبح الكافر وزمرته الملاحدة يستخفون بهذه العقول، والنهب والسلب لكي يجتاحوا أرض المسلمين وأموالهم وأعراضهم، هل عند ذلك أكف عن قتالهم لأن في جيش البعث وطغمته عربيٌ مسلمٌ جاهل؟ لا.
بل لا بد من مقاتلة الطاغية ومقاتلة جنود الطاغية وأذنابه، أياً كانوا على علم أو على جهل؛ لأن الذي يصل إليك يريد قتلك، وانتهاك زوجك، وأخذ مالك، وتدمير بيتك ليس من المعقول أو من المنطق أن تقف وتقول: أتأكد هل هو بعثي كافر ملحد حاقد، أو مسلم من السذج والبسطاء، أتناقش معه قليلاً ثم نبدأ السلاح؟ لا.
هذا من الجهل والغباء، وممن يروجه بعض ضعاف العقول في المجالس.
يقول بعضهم: إن في الجيش من البسطاء والضعفاء والعقلاء؟ نعم.
كونهم في جيشهم وعلى أرضهم وفي بساطتهم وعقلهم فهم يتحملون ما يفعلون ويقفون فيه، وأما إذا تحركوا نحوك شبراً واحداً فاقتل مسلمهم وكافرهم، لماذا؟ لأن القاتل يقتل بكفره، وهذا المسلم يقتل لرد عدوانه، واعلم أنك يوم تقاتله وإن كان مسلماً في جيشٍ عراقي إنما تقاتل دون مالك: (ومن قتل دون ماله فهو شهيد) وتقاتل دون عرضك: (ومن قتل دون عرضه فهو شهيد) والله تعالى قال: {فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي} [الحجرات:٩] وقد سماها في الآية التي قبلها من الطائفة المؤمنة: {وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ} [الحجرات:٩] لم يقل: واحدة مؤمنة وأخرى كافرة؛ بل: {وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا فَإِنْ بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَى الْأُخْرَى} [الحجرات:٩] يعني: واحدة من المؤمنين، فإن بغت مؤمنة على مؤمنة: {فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلَى أَمْرِ اللَّهِ فَإِنْ فَاءَتْ فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا بِالْعَدْلِ وَأَقْسِطُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ} [الحجرات:٩] فهل بعد هذا يبقى مسلم يقول: أنا لا أدري، أخشى أن أقابل عراقياً مسلماً فأقتله، ما دام متوجهاً ومتسلطاً بسلاحه، سواء كان ذَنَباً للبعث، أو طامعاً في مالك أو عرضك، فاقتله ولا تخف، ولا بد من ذلك.
جاء رجلٌ إلى النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إذا جاء رجلٌ يريد مالي، أفأقتله يا رسول الله؟! قال: اقتله) ما قال الرسول قف واسأله: هل هو مؤمن أم كافر؟ هل أحد أرسله أم أنه جاء باختياره؟ بل قال: اقتله، قال: قاتله (قال: فإن قتلته يا رسول الله؟ قال صلى الله عليه وسلم: هو في النار، قال: فإن قتلني؟ قال: فأنت إذاً في الجنة) (من قتل دون ماله فهو شهيد، ومن قتل دون عرضه فهو شهيد) وإن من يقاتل هذه الأمة الباغية إنما يقاتلها دِيناً قبل أن يقاتلها عرضاً ومالاً، والله لو حكم العراقيون شبراً من الجزيرة ما رفعوا فيه منبراً، ولا أقاموا فيه مسجداً، ولا حَكَّمُوا فيه كتاباً ولا سنة، فهل بعد هذا يظن بعضنا أن من التساهل والبساطة أن نقف أمام الحدث ضعافاً سذجاً بُسطاء مكتوفي الأيدي؟ لا والله.
تلك مصيبةٌ وفتنة لا شك فيها، ولكن كما جاءت الشريعة بقاعدةٍ جليلة: (نرتكب أدنى المفسدتين دفعاً لأعلاهما) لا بد أن نمشي قدماً مضياً على القواعد الشرعية التي جاءت في الشريعة.