للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[نعمة الأمن وبيان ضرورته]

الحمد لله الذي جعل الأمن والأمان والطمأنينة للمؤمنين، {الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ أُولَئِكَ لَهُمُ الْأَمْنُ وَهُمْ مُهْتَدُونَ} [الأنعام:٨٢] الحمد لله الذي جعل الخوف والذلة والصغار على الكافرين والمنافقين: {يَحْسَبُونَ كُلَّ صَيْحَةٍ عَلَيْهِمْ هُمُ الْعَدُوُّ فَاحْذَرْهُمْ قَاتَلَهُمُ اللَّهُ أَنَّى يُؤْفَكُونَ} [المنافقون:٤] وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له رب الأولين والآخرين، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله سيد الأنبياء والمرسلين، صلى الله عليه صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً إلى يوم الدين.

أما بعد: فيا عباد الله: اتقوا الله تعالى حق التقوى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ} [آل عمران:١٠٢] {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنْظُرْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ لِغَدٍ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ} [الحشر:١٨].

معاشر المؤمنين: كان الحديث في الجمعة الماضية عن الأمن وحاجة الأمة إليه، وعن حال أمةٍ من الأمم إذا فقدت الأمن ليلةً أو يوماً من أيامها، وأعظم درجات الأمن: الأمن في الدين الأمن على الملة الأمن على الشريعة الأمن على العبادة، ولأجل ذلك امتن الله جل وعلا على بني إسرائيل يوم أن نجاهم من كيد فرعون وبطشه ومكره، فما كانوا يأمنون على دينهم وأنفسهم، وخذوا مثالاً مما ورد في القرآن على أمةٍ من الأمم لم تجد أمناً في دينها، قال تعالى: {فَمَا آمَنَ لِمُوسَى إِلَّا ذُرِّيَّةٌ مِنْ قَوْمِهِ عَلَى خَوْفٍ مِنْ فِرْعَوْنَ} [يونس:٨٣] لم يجدوا حريةً يستطيعون بها أن يتقدموا بخطىً ثابتةٍ ربيطة الجأش إلى اعتناق هذا الدين، لأجل ذا ما آمن لموسى إلا ذريةٌ من قومه على خوف ووجل، وعلى رهبة أن يكتشف فرعون أمرهم فيقتلهم، ولأجل ذلك كانت أوامر الطاغية وأوامر المستبد فرعون أن قال: {اقْتُلُوا أَبْنَاءَ الَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ وَاسْتَحْيُوا نِسَاءَهُمْ} [غافر:٢٥] وكانت منةً من الله أن نجا المستضعفين من كيد فرعون وبأسه: {وَإِذْ نَجَّيْنَاكُمْ مِنْ آلِ فِرْعَوْنَ يَسُومُونَكُمْ سُوءَ الْعَذَابِ يُذَبِّحُونَ أَبْنَاءَكُمْ وَيَسْتَحْيُونَ نِسَاءَكُمْ وَفِي ذَلِكُمْ بَلاءٌ مِنْ رَبِّكُمْ عَظِيمٌ} [البقرة:٤٩] لقد كان البلاء بتلك الأمة على زمن ذلك الطاغية يجسد صورةً من حالٍ صعبة شديدة يوم أن لم يجد القوم أمناً يأمنون به، فما تجرأ إلا قليلٌ منهم أن يؤمنوا على خوفٍ من الطاغية وملئه، لقد كانت معاناةً صعبة، بل إن ذلك البلاء عاد بأثرٍ رجعي حتى على الأطفال، وحتى على الأجنة، فبات فرعون يقتل أطفال بني إسرائيل عاماً، ويستحي بعضهم عاماً؛ حتى لا تفنى السخرة والخدمة لأجل خدمته وحاجته، ويقتلهم عاماً آخر خشية أن يكون النبي الموعود به من بينهم، أي أمنٍ عاشه أولئك القوم، ولكن لما منَّ الله عليهم وبعث لهم موسى، ورفع به الظلم والضيم عنهم ما كان من بني إسرائيل بعد تلك النعم إلا العناد والمكابرة والإصرار على الضلالة.

أيها الأحبة: لما كانت قضية الأمن في الدين مهمة، جاءت الشريعة بحفظها وتحقيقها، ولأجل ذا كانت من أعظم مهمات الوالي أو الحاكم أو الإمام، كما نص على ذلك الماوردي رحمه الله في الأحكام السلطانية، قال: إن من أوجب واجبات الحاكم والإمام أن يحفظ الدين والملة على أصولها، فلا يأذن ببدعة، ولا يسمح بما يخالف الشريعة، أو يقدح في أصول العقيدة، هذا من كلامه أو بمعناه.