للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[سرعة الاستجابة لله]

الحمد لله وحده لا شريك له، نحمده ونستعينه ونستغفره ونستهديه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلن تجد له ولياً مرشداً، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، جل عن الشبيه، وعن الند، وعن المثيل، وعن النظير {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ} [الشورى:١١] وأشهد أن محمداً عبده ورسوله بلغ الرسالة، وأدى الأمانة، ونصح الأمة، وجاهد في الله حق جهاده، وتركنا على البيضاء ليلها كنهارها لا يزيغ عنها إلا هالك، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً إلى يوم الدين.

عباد الله! اتقوا الله حق التقوى، يقول الله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ وَأَنَّهُ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ * وَاتَّقُوا فِتْنَةً لا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْكُمْ خَاصَّةً وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ} [الأنفال:٢٤ - ٢٥].

معاشر المؤمنين! من تأمل هذا المنهج القرآني والنبوي الذي جاء به النبي صلى الله عليه وسلم من ربه الكريم الحكيم، وجد أن هذا المنهج الشرعي قائمٌ على الاستجابة، قائمٌ على التنفيذ، قائمٌ على التطبيق، قائمٌ على المبادرة بالاستجابة لأمر الله وأمر رسوله صلى الله عليه وسلم، وهكذا كان شأن الصحابة رضوان الله عليهم، ومن تبعهم بإحسانٍ إلى يوم الدين، كان شأنهم المتابعة، وكان شأنهم التنفيذ، وكان شأنهم التطبيق، ما وقفوا يوماً يحتجون، أو يعترضون، أو يفرضون الشبه، أو الحجج على أمر الله، وشرع الله، وشرع نبيه صلى الله عليه وسلم، وفي هذا يقول الله جل وعلا: {وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْراً أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ} [الأحزاب:٣٦] إذا ورد أمر الله، فلا خيار لك أيها العبد، إذا ورد شرع الله، فلا خيار لكِ أيتها الأمة، إذا ورد أمر الله، فلا خيار لمجتمع من المجتمعات أن يفعل أو لا يفعل، أن يختار أو لا يختار، لا يبقى أمامه إلا أن يقول: سمعت وأطعت، ولا يبقى للأمة أن تقول إلا: سمعنا وأطعنا، يقول الله جل وعلا: {إِنَّمَا كَانَ قَوْلَ الْمُؤْمِنِينَ إِذَا دُعُوا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ أَنْ يَقُولُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا} [النور:٥١] وما شأن الذين لا يستجيبون؟ وما شأن الذين يترددون بعد ورود أمر الله في الاستجابة؟ ما شأن الذين يسوفون الاستجابة؟ ما شأن الذين يؤجلون الاستجابة لأمر الله وأمر رسوله؟ إنهم بين أمرين، أو أكثر: أولها: ما ورد في الآية الآنفة الذكر: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ} [الأنفال:٢٤] فمن لم يستجب لأمر الله، ومن لم ينقد لشرع الله، ومن لم يخضع لأمر الله، فقد يحال بينه وبين الاستجابة، وقد يحال بينه وبين القدرة والإمكان.

إذاً: فلا يجوز لأحد أن يؤخر الاستجابة لأمر الله وأمر رسوله صلى الله عليه وسلم، فإن لم يحل بينهم وبين ذلك، وقد يمهل له، ثم يكون شأنه شأن المجرمين، وينطبق عليه قول الله جل وعلا: {وَمَنْ يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءَتْ مَصِيراً} [النساء:١١٥] فمن لم يستجب لأمر الله، فهو على أحد الخطرين: ١ - إما أن يحال بينه وبين قلبه.

٢ - وإما أن يجمع مع ذلك أن يولى سبيل الظالمين، وأن يصلى جهنم مع المجرمين، وساءت مصيراً له ولأزواجه ولأشباهه وأذنابه وأضرابه.