للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[قصة تبين أن من استمر على شيء اعتاده]

يقال: إن شاباً كان يراود فتاة عن نفسها، ويدعوها إلى الزنا، وأشغلها كثيراً، وربما كان قريباً لها، يتعرض لها في طريقها غاديةً رائحةً، يحوم حول مضارب أهلها، يقف عند خبائها وخباء أهلها، فقالت له: إن كنت لابد مصراً على ذلك فإني أطلب منك أن تتسول، وأن تظهر نفسك بمظهر الفقير الطرار المتسول الذي يسأل الناس أن يتصدقوا عليه.

فقال: أفعل، فوقف أول يوم، وأخذ يدور في الطرقات والمساجد، يتسول ويسأل الناس، ثم مر في اليوم الثاني، وربما اشترطت عليه أسابيع معينة، فقام في الأسبوع الأول يتردد بين الناس، وهو يتلثم تارةً، ويطأطئ رأسه خجلاً، ويهرب إذا رآه أحد، ويغير هيأته، ويريد ألا يُعرف، ويتمنى ألا يكشف، ولما جاء الأسبوع الثاني إذ به يقف بنوع أقدر من ذي قبل على السؤال، وعلى أن يسأل الناس الصدقة، وأن يرجوهم أن يتصدقوا عليه، فلما جاء الأسبوع الثالث إذ به يقف ولا يبالي، ولا يهتم بأحدٍ أبداً، فلما جاء إليها بعد نهاية الأسبوع الثالث، قال: هأنذا تسولت ثلاثة أسابيع من أجل أن أقع بك أو أفعل الفاحشة، فقالت له: وأنت تريد أن تفعل الفاحشة مرة أو مرات؟ قال: فقط أريدها مرة واحدة، فقالت: كيف وجدت نفسك وأنت تتسول؟ فقال: في الأسبوع الأول كنت أجد نفسي أتمنى أن تبتلعني الأرض ولا يراني أحد من شدة الخجل والوجل والخوف والحياء والحرج وعظيم ما أنا فيه، قالت: فكيف وجدت نفسك في الأسبوع الثاني؟ فقال: كنت أقل من ذلك، قالت: كيف وجدت نفسك في الأسبوع الثالث؟ قال: أصبحت أتسول كما لو كنت أعطي، أو كما لو كنت أفعل شيئاً عادياً، فقالت: إذاً فاعلم أن ما تريده مني سيكون أمراً صعباً في المرة الأولى، وسيكون أقل صعوبة في المرة الثانية، وستكون وأكون من الذين يقعون في الزنا والبغاء لا نتردد ولا نتورع عن ذلك ألبتة.

إذاً فإن البداية مهمة، ومن كانت له بداية محرقة، فإن له نهاية مشرقة.

أيها الأحبة: إن الفراغ أهاج على النفس أشياء كثيرة، حرك الشهوات من مكامنها، ودفع الخطرات إلى أن تتحرك إلى خطوات، ووقع كثير من الشباب في المعاصي والسيئات، فمن كانت معاصيه بسبب فراغه فالله الله عليه أن يملأ وقته بعمل نافع وسعيٍ مفيد، في علم، أو عمل، أو وظيفة، أو تجارة، أو حرفة.

إن الشباب والفراغ والجدة مفسدةٌ للمرء أي مفسدة