للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[واجب التثبت عند نقل الأخبار وسماعها]

لقد بلغ الداء في فريق من المسلمين، أن بات تصديقهم للقيل والقال في الرجال والأحوال، أسرع من تسلميهم للأمر عن الله ورسوله، ولو أنهم قالوا للناقل والساعي، ولمن جاء يتملق بالحديث أو يتشدق أو يتفيهق به، لو أنهم قالوا للناقل: من أين لك هذا؟ وما مصدر الخبر؟ لأسقط في يد الناقل، ولرأيت كثيراً من الناس يعتمد في نقله على مثل فعله من القيل والقال، أو يعتمد على الشائعات والمنشورات، أو الاستنتاج والقول باللوازم.

وبعضهم إذا قيل له: من أين لك هذا؟ وما مصدر كلامك؟ وما أصل نقله؟ قال: أخبرني فلان عن فلان عن فلان، ثم لم تلبث أن تسمع وترى سنداً يروي فيه الكذوب عن المدلس، عن صاحب الهوى، عن سيئ الحفظ، عن الصدوق، فلا يبلغ الخبر إلا بعد الزيادة والحذف والاضطراب والخلل والتأويل، ثم يتناقله السرعان من الناس، وما أرسلوا على الناس حافظين، ولو أنهم فعلوا ما يوعظون به من الكف عن القيل والقال، لكان خيراً لهم وأقوم وأشد تثبيتا.

إن كثيراً من الأخبار التي يتناقلها البعض عن إخوانهم أو أترابهم، وربما هم عند الله خيرٌ منهم، علتها الكذب الصريح الذي لا مكان لمروءة الناقل الكاذب بعده، وحسبك أن الكذب دالةٌ في ضعف الدين، ودليلٌ على خسة الطباع، يقول الله عز وجل: {إِنَّمَا يَفْتَرِي الْكَذِبَ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِآياتِ اللَّهِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْكَاذِبُونَ} [النحل:١٠٥]، وروى الإمام أحمد في مسنده عن ابن أبي مليكة، أن عائشة رضي الله عنها قالت: ما كان خلق أبغض إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم من الكذب، ولقد كان الرجل يكذب عند رسول الله صلى الله عليه وسلم الكذبة فما يزال في نفسه صلى الله عليه وسلم عليه، حتى يعلم أنه قد أحدث منها توبة.