للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[الحذر من التسخط والسخرية]

ليحذر المسلم كل الحذر أن يتكلم عند المصيبة بشيء يحبط به أجره أو يسخط به ربه مما يشبه التظلم والشكوى والجزع، فإن الله عدل لا يجور، وأفعاله كلها حكمة وعلى مقتضى المصالح {أَلا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ} [الملك:١٤] {لا يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْأَلُونَ} [الأنبياء:٢٣] وهو الفعال لما يريد، فالحذر الحذر أن تأتي وساوس الشيطان على العبد، فربما تذكر أحوالاً، أو سخط بكلام، أو جزع بدعاء لا يليق، ثم يكون حاله كحال من كره لقاء ربه، ومن أحب لقاء الله أحب الله لقاءه، ومن كره لقاء ربه كره الله لقاءه، فالواجب على العبد ألا يقول عند المصيبة إلا ما يرضي ربه، وربما كان سخطه هذا سبباً إلى جزع أبنائه وبناته وذويه من حوله، فيقولون ما لا يليق، والملائكة تؤمن على حاله، وتؤمن على حال من حوله ولا حول ولا قوة إلا بالله.

وإن من الأسباب التي يدفع بها البلاء أن يحرص العبد إذا رأى مبتلى أن يقول: الحمد لله الذي عافاني مما ابتلاك به، وفضلني على كثير ممن خلق تفضيلاً.

فمن قالها لم يصبه ذلك البلاء كما في الحديث الحسن عند الترمذي.

وإن من آداب قول هذا إذا زرت مريضاً مبتلى ألا تشخص ببنانك إليه وتقف عن وجهه، فتقول: الحمد لله الذي عافاني مما ابتلاك به، وإنما تقولها يوم أن تخرج من عنده، أو تسرها في نفسك حتى لا يعتقد المريض أنها شماتة، وحتى لا يصيبه شيء من الإحباط أو عدم الفأل والأمل في شفاء حاله.

وكذلك الحذر الحذر من الشماتة، فإن الشماتة بالناس سبب في الوقوع فيما وقعوا فيه ولا حول ولا قوة إلا بالله، فمن شمت بأخيه، فربما عافاه الله وابتلاه، وقال القائل:

إذا ما الدهر جر على أناسٍ حوادثه أناخ بآخرينا

فقل للشامتين بنا أفيقوا سيلقى الشامتون كما لقينا

وكم رأينا أناساً من رجال ونساء، نساء شمتن بنساء فحل بهن ما حل بالمشموت بهن، ورجال شمتوا بآخرين فحل بهم ما حل بالمشموت بهم، فالعبد لا يشمت، ولا يفرح على مصيبة أخيه، بل واجبه الدعاء له، وواجبه إخلاص النصيحة، ووصيته بالصبر عند هذا، واعلموا أن الدعاء بإذن الله ينفع مما نزل وما لم ينزل من البلاء كما في حديث عائشة رضي الله عنها، قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لا يغني حذر من قدر، والدعاء ينفع مما نزل ومما لم ينزل، وإن البلاء لينزل فيتلقاه الدعاء فيعتلجان إلى يوم القيامة) هذا إذا حرص العبد على توفر شروط الدعاء وبذل أسباب قبوله بإذن الله.

فعلى كل حال:

اصبر لكل مصيبة وتجلد واعلم بأن المرء غير مخلد

أوما ترى أن المصائب جمةٌ وترى المنية للعباد بمرصد

من لم يصب ممن ترى بمصيبةٍ هذا سبيل لست فيه بأوحد

فإذا ذكرت مصيبة ومصابها فاذكر مصابك بالنبي محمد

إن من حلت به مصيبة فتذكر مصيبة المسلمين في فاجعتهم بموت نبيهم صلى الله عليه وسلم كان ذلك مهوناً عليه ما يرى، فإذا تذكرت حال الأمة وقد مات نبيها وحصل لها ما حصل بعد موته؛ علمت أن كل مصيبة بعد موت رسول الله صلى الله عليه وسلم تهون كما في الحديث (من عظمت مصيبته عليه فليتذكر مصيبة المسلمين فيَّ) فإن المسلمين لم يصابوا بمصيبة- كما تعلمون أيها الأحبة- كقدر مصابهم بموت المصطفى صلى الله عليه وسلم.

والواجب على العبد أن يسترجع في كل حال حتى لو انكسر في يده كأس، أو انكفأ قدر، أو انشق ثوب، أو زلت به قدم أن يقول: لا حول ولا قوة إلا بالله، إنا لله وإنا إليه راجعون، حتى يصبر عند الصدمة الأولى، فإنما الصبر الذي عليه الأجر عند الصدمة الأولى، والذي يصبر عند الصدمة الأولى فلا محالة سيصبر في اليوم الخامس أو العاشر أو الأسبوع الأول أو الثاني.

من لم يصبر صبر الكرام سلا سلو البهائم

وإني لأعرف رجلاً من أهل هذه المدينة قد ابتلي ببلية ذات يوم: كان متجهاً يريد المغسلة أو دورة المياه، فلم يبصر بعد ذلك شيئاً، وأظلمت الدنيا من حوله، والناس في نهار وضياء، وأصبح لم ير شيئاً، ابتلي فجأة بأن أخذ الله بصره هكذا، فما كان منه إلا أن أكثر من" إنا لله وإنا إليه راجعون" " لا حول ولا قوة إلا بالله" وانزعج الناس من حوله، نذهب بك إلى أسبانيا، نذهب بك إلى بلد كذا، لم يكن حينها في هذه البلاد مستشفيات أو أطباء على درجة في تخصص العيون، فقال: بل ربي يرد علي ما أخذ مني، فلم يمكث أياماً لم تتجاوز السبعة عشر يوماً إلا وهو يرى ما كان حوله كما كان قبل أن يؤخذ بصره.

إذاً: فاسترجاع العبد وصبره على المصيبة من أسباب دفع البلاء عنه، ومن دلائل نجاحه في امتحان الابتلاء الذي مر به، وعلى المسلم أن يخفف على الناس مصابهم يوم أن يراهم في مصيبة (من قال: هلك الناس، فهو أهلكُهم، وفي رواية: أهلَكهم) وهذا في كل حال، فإذا رأيت في الناس مصيبة من غلاء، فهوِّن على الناس ما يرون، وإذا رأيت الناس في مصيبة خوف، فهوِّن على الناس ما يرون، وإذا رأيت الناس في مصيبة كرب، فخفف عليهم ما هم فيه حتى ينبعث الأمل من جديد ويشق التفاؤل طريقه إلى قلوبهم فيمضون أقوياء ذوي عزيمة بإذن الله.

اللهم ادفع عنا أصناف البلاء والوباء والزنا والزلازل والمحن والفتن ما ظهر منها وما بطن، اللهم إنا نسألك أن تقدر لنا كل خير وأن تصرف عنا كل شر.

اللهم إنا نشكو إليك ضعف الإيمان ووسوسة الشيطان، وقرناء السوء، وشحاً مطاعاً، وهوىً متبعاً، وقلوباً قاسية، اللهم لا تكلنا إلى أنفسنا طرفة عين ولا أقل من ذلك، اللهم ثبتنا على دينك إلى أن نلقاك، اللهم اغفر لنا ولآبائنا ولأمهاتنا وأجدادنا وجداتنا، اللهم من كان منهم حياً فمتعه بالصحة والعافية على طاعتك، ومن كان منهم ميتاً فجازه اللهم بالحسنات إحساناً وبالسيئات عفواً وغفراناً.

اللهم آمنا في دورنا، وأصلح أئمتنا وولاة أمورنا، اللهم اهد إمامنا إمام المسلمين، اللهم أصلح بطانته، اللهم متع به على طاعتك واجمع شمله وإخوانه وأعوانه، وقرب له من علمت فيه خيراً له ولأمته، وأبعد عنه من علمت فيه شراً له ولأمته.

اللهم إنا نسألك ونستعين بك على كل من أراد بولاة أمرنا فتنة، وأراد باجتماعنا فرقة، وأراد بشبابنا ضلالة، وأراد بنسائنا تبرجاً وسفوراً، اللهم أبعده عنا، اللهم اجعل كيده في نحره واجعل تدبيره تدميره يا سميع الدعاء.

اللهم انصر المسلمين في طاجكستان، اللهم انصر المجاهدين في طاجكستان، اللهم انصر المسلمين في فلسطين وأرومو وعفر والفليبين وفي مورو وكشمير وفلسطين وسائر البلاد يا رب العالمين.

اللهم اجمع شمل المسلمين في أفغانستان، اللهم أعنهم على إقامة التوحيد، اللهم أعنهم على هدم القبور والأضرحة، اللهم أعنهم على تحقيق التوحيد يا رب العالمين، اللهم مكن لهم بقربهم واجتهادهم في العناية بالتوحيد يا رب العالمين.

اللهم آمنا في ديارنا ولا تفرح علينا عدونا، ولا تشمت بنا حاسداً، اللهم لا تدع لنا في مقامنا هذا ذنباً إلا غفرته، ولا هماً إلا فرجته، ولا ديناً إلا قضيته، ولا مريضاً إلا شفيته، ولا تائباً إلا قبلته، ولا متزوجاً إلا ذريةً صالحةً وهبته، ولا أيماً إلا زوجته، ولا أسيراً إلا فككته بمنك وكرمك يا أرحم الرحمين.

اللهم صل على محمد صاحب الوجه الأنور والجبين الأزهر، وارض اللهم عن الأربعة الخلفاء الأئمة الحنفاء: أبي بكر وعمر وعثمان وعلي، وارض اللهم عن بقية العشرة وأهل الشجرة، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، وعنا معهم بعفوك ومنك وكرمك يا أرحم الراحمين.