للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[كيفية الحفاظ على الأبناء والذرية]

الحمد لله على إحسانه، والشكر له على توفيقه وامتنانه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له تعظيماً لشانه، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله الداعي إلى رضوانه، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً إلى يوم الدين.

عباد الله! اتقوا الله تعالى حق التقوى، تمسكوا بشريعة الإسلام، عضوا بالنواجذ على العروة والوثقى، اعلموا أن خير الكلام كلام الله، وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة في الدين ضلالة، وكل ضلالة في النار، وعليكم بجماعة المسلمين فإن يد الله مع الجماعة، ومن شذ شذ في النار عياذاً بالله من ذلك.

أيها الأحبة! وما كان من شأن الخضر عليه السلام مع موسى لما أقام الجدار الذي وجده مائلاً، قيل أنه أعاد بناءه، وقيل أنه أماله بيده، فاستقام الجدار صلباً، في هذا فائدة عظيمة في قوله جل وعلا: {وَأَمَّا الْجِدَارُ فَكَانَ لِغُلامَيْنِ يَتِيمَيْنِ فِي الْمَدِينَةِ وَكَانَ تَحْتَهُ كَنْزٌ لَهُمَا وَكَانَ أَبُوهُمَا صَالِحاً} [الكهف:٨٢] فصلاح الآباء يحفظ الأبناء ويحفظ الذرية ويحفظ مستقبلهم، إن التأمينات ليست هي التي تحفظ أولادك من بعدك، إلم يحفظهم الله فقد ضاعوا، ومن ضيعه الله فلا حافظ له، ومن يحفظه الله فلا مضيع له، وكان أبوهما صالحاً، فصلاح الآباء يبلغ الأبناء قيل ولو إلى السابع من الذرية.

جاء في بعض الآثار عن الله جل وعلا: (أنا الله إذا رضيت باركت، وإذا باركت بلغت بركتي السابع من الولد) ولما حضر عمر بن عبد العزيز الوفاة، قيل: لو تركت لأولادك شيئاً يا أمير المؤمنين! يا خليفة المسلمين! يا من بيدك الكنوز! قال: والله لا أترك لهم شيئاً إن كانوا صالحين فلن يضيعهم الله، وإن كانوا غير ذلك فلا أدع لهم مالاً يتقوون به على معصية الله، قال الراوي: فوالله لقد رأيت كل واحدٍ من أبناء عمر بن عبد العزيز قد حمل على مائة بعير في سبيل الله بأحلاسها وأقتابها.

التقوى هي التي تحفظ الأبناء من بعدنا، مراقبة الله جل وعلا، الخوف من الله هو أعظم تأمينٍ على الحياة، وأعظم تأمينٍ على الذرية، وأعظم تأمينٍ على الأموال، وأعظم تأمينٍ على الزوجات والأولاد والبنات، ولذلك لما ذكر الله سبحانه وتعالى في أول سورة النساء شأن اليتامى والتحذير من أكل أموالهم، والزواج من اليتامى، ومعاملتهم بالمعروف، وعدم تسليم الأموال إليهم حتى يبتلوا في تصرفاتهم ومعاملاتهم، قال الله جل وعلا: {وَلْيَخْشَ الَّذِينَ لَوْ تَرَكُوا مِنْ خَلْفِهِمْ ذُرِّيَّةً ضِعَافاً خَافُوا عَلَيْهِمْ} [النساء:٩] أتخشون أن تتركوا أطفالاً زغب الحواصل لا ماءٌ ولا شجرُ؟ أتخشون أن تتركوا ذرية ضعافاً؟ أتخافون على الأطفال؟ أتخافون على الأولاد والبنات؟ نعم.

والله كلنا نخاف على أولادنا من بعدنا.

كيف نؤمن مستقبلهم؟ نتقي الله جل وعلا فيحفظهم الله: {وَلْيَخْشَ الَّذِينَ لَوْ تَرَكُوا مِنْ خَلْفِهِمْ ذُرِّيَّةً ضِعَافاً خَافُوا عَلَيْهِمْ} [النساء:٩] ما الحل؟ ما الشأن؟ ما الجواب.

؟ {فَلْيَتَّقُوا اللَّهَ وَلْيَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً} [النساء:٩].

فتقوى الله هي خير ما يحفظ الضعاف، وخير ما يحفظ الأيتام، وخير ما يحفظ الصغار من بعدنا.

وجاء في تفسير الآية {وَكَانَ أَبُوهُمَا صَالِحاً} [الكهف:٨٢] قيل: كان أباً سابعاً لهما، {فَأَرَادَ رَبُّكَ أَنْ يَبْلُغَا أَشُدَّهُمَا وَيَسْتَخْرِجَا كَنْزَهُمَا رَحْمَةً مِنْ رَبِّكَ وَمَا فَعَلْتُهُ عَنْ أَمْرِي} [الكهف:٨٢] قال العلماء: فيه دلالة على أن الخضر نبيٌ أو رسول لأنه قال: {وَمَا فَعَلْتُهُ عَنْ أَمْرِي} [الكهف:٨٢] فدل ذلك على أنه وحيٌ وعلمٌ من وحي الله وعلم الله {ذَلِكَ تَأْوِيلُ مَا لَمْ تَسْطِعْ عَلَيْهِ صَبْراً} [الكهف:٨٢].

اللهم إنا نسألك الفقه في كتابك، والعلم بسنة نبيك، ونسألك اللهم علماً نافعاً، وعملاً صالحاً، ودعاءً مرفوعاً، اللهم ارفعنا وانفعنا بالقرآن العظيم، اللهم انفعنا وارفعنا بكتابك الكريم.

اللهم أعز الإسلام والمسلمين، ودمر أعداء الدين، وأبطل كيد الزنادقة والملحدين، اللهم أهلك الظالمين بالظالمين، وأخرج أمة محمدٍ من بينهم سالمين.

اللهم اهدِ إمام المسلمين، وأصلح بطانته، اللهم اجمع شمله وإخوانه وأعوانه على كتابك وسنة نبيك يا رب العالمين! اللهم لا تدع لأحدنا ذنباً إلا غفرته، ولا هماً إلا فرجته، ولا ديناً إلا قضيته، ولا مبتلاً إلا عافيته، ولا مريضاً إلا شفيته، ولا حيران إلا دللته، ولا أيماً إلا زوجته، ولا عقيماً إلا ذرية صالحة وهبته، ولا تائباً إلا قبلته، ولا غائباً إلا رددته.

اللهم اغفر لآبائنا وأمهاتنا، وأجدادنا وجداتنا، اللهم من كان منهم حياً فمتعه بالصحة والعافية، ومن كان منهم ميتاً اللهم فجازه بالحسنات إحساناً، وبالسيئات عفواً وغفرانا، واجمعنا اللهم بهم في دار كرامتك يا رب العالمين! اللهم استعملنا في طاعتك، اللهم استعملنا في مرضاتك، اللهم حِلْ بيننا وبين أسباب سخطك وموجبات عقوبتك وغضبك يا أرحم الرحمين! {إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً} [الأحزاب:٥٦] اللهم صلّ وسلم وزد وبارك على نبيك محمد صاحب الوجه الأنور، والجبين الأزهر، وارض اللهم عن الأربعة الخلفاء الأئمة الحنفاء: أبي بكر وعمر وعثمان وعلي، وارض اللهم عن بقية العشرة، وأهل الشجرة، ومن تبعهم بإحسانٍ إلى يوم الدين.

اللهم أنت الله لا إله إلا أنت، أنت الغني ونحن الفقراء إليك، اللهم اسقنا الغيث ولا تجعلنا من القانطين، اللهم اسقنا الغيث ولا تجعلنا من القانطين، ربنا إنا نستغفرك إنك كنت غفاراً، فأرسل السماء علينا مدراراً، اللهم أغثنا، اللهم أغثنا غيثاً هنيئاً مريئاً مريعاً سحاً طبقاً نافعاً غير ضار، اللهم اسق العباد والبهائم والبلاد، اللهم أغثنا غيثاً تنبت لنا به الزرع، وتدر لنا به الضرع، اللهم إن عظمت ذنوبنا فإن فضلك أعظم، وإن كثرت معاصينا فإن رحمتك أكثر وأكبر، الله اسقنا ولا تجعلنا من القانطين.

إن الله يأمر بالعدل والإحسان وإيتاء ذي القربى، وينهى عن الفحشاء والمنكر والبغي؛ يعظكم لعلكم تذكرون، فاذكروا الله العظيم الجليل الكريم يذكركم، واشكروه على آلائه يزدكم، ولذكر الله أكبر، والله يعلم ما تصنعون.