للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[التفريق بين الإصلاح وبين تكوين معارضة أو إثارة فتنة]

وكذلك أيها الأحبة هنا مسألة مهمة لا يميزها كثير من الناس أو كثير من الشباب خاصة: تكوين معارضة شيء وإصلاح الأحوال شيء آخر، مثلاً يوجد بلاد أو في أي مجال في أي جانب يوجد فساد أو يوجد خلل أو يوجد انحراف فتغيير هذه الأمور وإصلاح هذه الأحوال شيء، أما تأليب الناس وتهييج الناس شيء آخر، ولذلك في حديث أو حوار ساخن حول ذلك المارق الماجن الذي يسمى " محمد المسعري " صاحب لجنة الحقوق في لندن، أتحدث مع أحد الإخوة وكان يتحدث عن الفاكسات التي أصبحت الآن أثراً بعد عين، ولا يوجد من يسمع بها، ولا من يقرأها ولا من يلتفت لها، بل أصبح الناس إذا ابتلوا بها يأخذها فوراً دون أن يقرأها ويرميها في الزبالة، وربما يجر عليها السيفون، هذا يكون معارضة ويريد أن يثير فتنة، يريد أن يؤلب فريقاً من الناس في هذا المجتمع، فتأليب الناس، تكوين معارضة، إثارة فريق من الناس هذا عمل، لكن الإصلاح عمل آخر، لا علاقة لهذا بهذا أبداً، ولا يمكن وباستقراء التاريخ ما عرف أن التأليب والفتن والخروج وهذه الأمور كونت إصلاحاً، بل الإصلاح شأن آخر، لكن بعض الأغيار وبعض الأبرار وبعض المساكين انطلت عليه الحيلة حتى أصبح أحدهم ينافح عن هذا المارق بكل ما أوتي.

أذكر مرة بعد صلاة التراويح وقف لي شاب وقال: لماذا أنت تعرضت لما قاله المسعري في الفاكس الفلاني.

قلت: أولاً: يا أخي الحبيب هذا الرجل نعم هو كذب علي مراراً، ودينه الكذب، يكذب كذبات كالشمس في رابعة النهار، وأنا ممن كذب علي، لكن يا أخي الحبيب ما حاجتك في هذا الكلام وما حاجتك في هذه القضايا التي يطرحها؟ قال: لا، هو سبق أن عرفته وسبق أن وثقت فيه.

قلت: أردت أن تضعه إماماً يقتدى، هذا بينك وبينه، الله يصلحك، لكن يا أخي الحبيب اعلم أن ما يفعله هذا المسكين هو تكوين معارضة، وقد حصل من قبله ما حصل، الذين يعرفون التاريخ السياسي للمملكة العربية السعودية وجد من حاول أن يفعل مثل ما فعله المسعري، بل وملك من قبله أموراً ما ملكها المسعري، وأوتي قوة ما أوتيها المسعري، وأوتي أساليب ما أوتيها المسعري، ومع ذلك أخمده الله وقتله في فتنته، وشتت شمله، ووأد حركته وفتنته في مهدها، فمن باب أولى هذا المسكين.

لذا أقول أيها الأحبة: فرق، وهذا الكلام قاس وجاف وصعب، وبعض النفوس لا تتحمله، لكن الحق لا بد أن نتحمله وإلا كنا أصحاب هوى، إذا جاء ما يعجبنا نشطنا له، وإذا جاءت النصوص عن رسول الله في أمر لا نحبه؛ نعرض عنها ونتجافى ولا نقبلها، حينئذ يكون هذا هو الهوى، فأقول: شتان بين تكوين المعارضة وبين إصلاح الأحوال.

يقول حنبل: اجتمع فقهاء بغداد بولاية الواثق إلى الإمام أبي عبد الله أحمد بن حنبل فقالوا: إن الأمر تفاقم وفشا -يعنون إظهار القول بخلق القرآن- يقولون: ولا نرضى إمارته ولا سلطانه، فناظرهم في ذلك وقال: عليكم بالإنكار بقلوبكم، ولا تخلعوا يداً من طاعة ولا تشقوا عصاً من طاعة، ولا تسفكوا دماءكم ودماء المسلمين معكم، انظروا في عاقبة أمركم واصبروا حتى يستريح بر ويستراح من فاجر، وقال: ليس هذا صواباً، هذا خلاف الآثار.

المأمون والواثق حملوا الناس وامتحنوهم وجروهم إلى القول بخلق القرآن، يمسكون الواحد تلو الواحد يقولون: ماذا تقول؟ القرآن كلام الله منزل أم مخلوق؟ إن قلت منزل؛ جلدوك وضربوك وآذوك، وإن قلت مخلوق؛ تركوك، مع أن القول بخلق القرآن فرية شنيعة وأمر خطير، كفر أو يفضي إلى الكفر ولا حول ولا قوة إلا بالله، ومع ذلك يقول الإمام أحمد: لا.

يحاور فيه الفقهاء ويقول: لا، أنكروا في قلوبكم، ولا تنزعوا يداً من طاعة ولا تسفكوا دماءكم ودماء المسلمين معكم، وانظروا في عاقبة أمركم.