للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[الاستفادة من الطاقات المعطلة]

زيادة على توزيع الشريط والكتيب والنصيحة أسبوعياً، والدعوة الشهرية للندوة لأهل الحي شهراً للرجال وشهراً للنساء، أن الشباب الطيب في الحي لا تتركهم هكذا عطلاً، لا تجعلهم هكذا هملاً، أعطهم أدواراً، عندك في الحي مثلاً عشرون شاباً ملتزماً، فتقول: تعالوا أيها الإخوة! أنتم خمسة تزورون محل الفيديو يوم السبت، تبتسمون إليه، واحد يعطيه هدية، وواحد يكرمه، وآخر يدعوه إلى البيت، قد لا يقبل منكم أول يوم، ويمكن أن يأخذ الهدية ويقول: اخرجوا إلى الخارج، مثل المطاعم التي تجعل المرق مجاناً، يشربون المرق ويخرجون لا يشترون.

فأقول: قد يقبل منك الهدية ولا يقبل منك النصيحة، ولكن ليس هناك مانع فإنما هي هدية ذهبت يأتي الله بغيرها، أرسل إليه الخمسة الآخرين غداً أو بعد غد بنفس الهدية والابتسامة والنصيحة، ادعه إلى البيت قد يقبل أو لا يقبل، بعد ثلاثة أيام أيضاً زيارة.

أيها الإخوة! عندنا في الحي الذي نسكن فيه افتتح شاب محل فيديو كله أفلام لا تليق، ووالله لو نعرف أن هذه الأفلام تخرج لنا طيارين، أو رجال أمن، أو مهندسين أو أطباء، أو دعاة أو علماء، لساهمنا مجاناً من جيوبنا في هذه المحلات، لكن ماذا تقدم هذه المحلات؟ تقدم الشر والمنكر، وتجعل الناس يتخدرون ويموتون ويقنعون، والواحد لا هم له منذ أن يشتري الشريط إلا أن ينتظر متى تنكشف فخذ، أو تبدو عورة، أو تظهر قبلة، أو يرى مشهداً خبيثاً، فقط لا غير، بل إن بضعهم من كثرة الملل من سيناريو وحوار المادة الإعلامية الموجودة في الشريط، مجرد أن يضع الشريط يجعله يلف سريعاً، حتى يجد المشاهد الحساسة التي تثيره، ويجلس متخدراً تحت جذوة هذه الغريزة التي لا تزيده إلا هواناً وانحساراً، ولا حول ولا قوة إلا بالله.

وماذا بعد ذلك؟ هذه تخدر المجتمعات، هذه أفيون المجتمع، هذه هي مخدرات الواقع، التي تجعل الناس يقبلون الفساد والمنكر والضلال، ولا تتحرك عندهم غيره، ولا تنمو فيهم نخوة أبداً.

أقول: أيها الإخوة! توزيع الأدوار على هؤلاء الشباب سيجعل من الشاب العاطل جذوة ملتهبة، سيجعل من الشاب الذي تظنه لا يصلح أن يسرح بعنز واحدة، يقود فريقاً من الشباب إلى الدعوة إلى الله جل وعلا، الإنسان الذي لا ترى فيه إلا علامات السكون والخمول، والضعف والدعة، ستجد فيه المواهب المتطلعة، والقدرات العالية التي توظف وتسخر بإذن الله جل وعلا لإصلاح المجتمع.

أيها الإخوة! من آثار هذا البرنامج لما طبق، أن عدداً من البقالات الآن لا تبيع الدخان، قد يقول قائل: والله مسكين المطوع هذا، يظن أن إصلاح المجتمع بترك الدخان، لا يا أخي! نحن نريد أن نعالج إخواننا الذين يقعون في مثل هذه المصائب بمساهمة من المساهمات، وهو أن نقطع على الواحد منهم سهولة تناول المادة التي يدخنها، فإذا دخل في بقالة في اثنتين في ثلاث على مستوى محلات كبيرة -ما يسمونها سوبر ماركت- يبحث فيها فلا يجد أحداً يبيع دخاناً، وهذه نعمة عظيمة من الله.

فأقول لك: محل الفيديو الذي عندنا في الحي دخلت عليه، وإذ بالشباب قبلي قد دكوا أرضيته بالرصاص، فلما دخلت عليه: كيف حالك يا أخي؟ (عساك طيب) يستغرب: ما الذي أتى بهذا الشيخ؟ يشتري مباراة أو فلم كرتون، ماذا يريد؟ فقلت له: أسأل الله جل وعلا أن يبدلك بتجارة حلال أبرك من هذه التجارة المحرمة.

قال: آمين نسأل الله أن يستجيب وأن يسمع منك.

قلت له: يا أخي الكريم! والله إني أخاف عليك وأحبك، وأنا أعرف أن الشباب جزاهم الله خيراً قد مهدوا الطريق، يا أخي الحبيب: ألا يسوؤك أن من زنى عليك مثل وزره، وأن من فعل الشذوذ، عليك مثل إثمه؟ ألا يكفي أن يتحمل الإنسان ذنوب نفسه بدلاً من أن يتحمل ذنوب الآخرين زيادة؟ يا أخي! ألا يسوؤك أن من مر من أهل الخير إما تعوذ بالله من هذا المحل وصاحبه، أو دعا على صاحبه؟ قال: يا أخي! الله يجزيك الخير، أين أنت؟ أنا منذ أن فتحت هذا المحل والنوم الطبيعي لا أعرفه.

بدأ الإنسان يخرج الحقائق، قد يكون صاحب المحل أو صاحب الملاهي وآلات الطرب مكابراً في البداية، تقول له: يا أخي! اللهو قسوة للقلب، يقول: تكذب يا شيخ، بالعكس الواحد ينبسط إذا عزف، وينسجم إذا سمع الوتر والنغم، هو يقول هذا بلسانه، لكنه بقلبه يعرف هذا الشيء: {وَجَحَدُوا بِهَا وَاسْتَيْقَنَتْهَا أَنْفُسُهُمْ} [النمل:١٤] في نفسه اليقين بصدق ما تقول، وفي لسانه الجحود بضد ما تقول، وما هي إلا لحظات وكلمات، إذا بك تجد الشاب يستقيم.

آخر أجريت معه نفس المحاولة، فما الذي حصل منه؟ قال: على يديك، أنا مستعد أن أتنازل عن أكثر من مائة وعشرين ألف ريال في المحل، ولكن خلصني وأعني على الخروج من المأزق وهذه الدائرة، وبالمناسبة من خلال زيارات ولقاءات مع أصحاب محلات الفيديو النتائج الآتية ظهرت: أولاً: كثير من أصحاب محلات الفيديو لا زال فيهم خير يمكن أن يستثمر.

ثانياً: أغروا إغراءً بالربح المادي، وليس في محلات الفيديو وبيع الأشرطة الفاسدة والمتاجرة بها إلا الهم والغم، والإثم والحرام والخسارة، وهم حقيقة مثل الذي يشرب من ماء البحر وهو عطشان، يشرب لكنه يزداد عطشاً، الماء كثير والعطش يزداد، ولما ناقشنا عدداً منهم، قال أحدهم: والله يا أخي! إنني أجد الغلة يومياً كثيرة، لكن تأتي الشركة الدولية للفيديو فنعطيها، مركز كذا للفيديو فنعطيه، والمركز الفلاني فنعطيه، المؤسسة الإعلامية فنعطيها، والموظفين؛ هذا الموظف نحن نصرف راتبه من عندنا، وهذا نعطيه صيانة أجهزة، إيجار محل، آلات تغليف، آلات طباعة، وما الذي يبقى؟ الجيد منهم يبقى معه ثلاثة آلاف ريال، ثم يتحرج أن يأكل بها، أو أن يلبس بها، أو يحج بها، أو يتصدق بها، أو يقدم بها مشروعاً خيرياً.

إن هؤلاء حينما تكلم أحدهم بصراحة وتدعوه، وتقترب وتدنو منه، ليس بالضرورة في الأسبوع الأول ولا في الشهر الأول، قد يكون في السنة الثانية أو الثالثة، المهم استمر، ودورك شيء والحسبة شيء ثانٍ، دورك الدعوة والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ولا يظن أحد أن الدعوة هي الحسبة وأن الحسبة هي الدعوة، نعم.

الحسبة تتضمن الدعوة، لكن شتان بين هذا وهذا، أنت تدعو بالكلمة، وتؤثر بالأسلوب الرقيق، وترَغِّب بالموعظة اللينة، وذاك يستخدم هذه الأساليب، وحينما يجد ما يستلزم إيقاع العقوبة، أو يرى شيئاً فيه ما يلزم من جرائه غرامة أو إغلاق، أو عقوبة يقدم صاحبها إلى المحاكمة، ولا تنافر بين هذا وهذا.