للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[أهمية الاستقامة على طاعة الله]

إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره ونستهديه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله، فلا مضل له، ومن يضلل فلن تجد له ولياً مرشداً، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له جل عن الشبيه، وعن الند، وعن المثيل، وعن النظير، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله؛ بلغ الرسالة، وأدى الأمانة ونصح الأمة، وجاهد في الله حق جهاده، وتركنا على البيضاء ليلها كنهارها، لا يزيغ عنها إلا هالك، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً إلى يوم الدين.

أما بعد: فيا عباد الله: اتقوا الله حق التقوى، وتمسكوا بشريعة الإسلام، واعلموا أن لا نجاة إلا بها: {يَوْمَ لا يَنْفَعُ مَالٌ وَلا بَنُونَ * إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ} [الشعراء:٨٨ - ٨٩].

معاشر المؤمنين: إن الهداية غاية العقلاء ووظيفة الأنبياء، ومنتهى آمال السعداء، وإن الاستقامة أولى وأجل مطالب العقلاء، فأما الهداية، فنحن نسألها ربنا في كل يوم سبع عشرة مرة في سبع عشرة ركعة فضلاً عن الرواتب والنوافل وغيرها: {اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ} [الفاتحة:٦] وأما الاستقامة فأمرنا بها، وأمر بها نبينا صلى الله عليه وسلم: {فَاسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ وَمَنْ تَابَ مَعَكَ وَلا تَطْغَوْا إِنَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ} [هود:١١٢] وجاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم يسأله الوصية، ويسترشده النصيحة، ويطلب منه قولاً لا يسأل عنه أحداً قبله ولا بعده، فقال صلى الله عليه وسلم موجهاً ذلك السائل: (قل آمنت بالله، ثم استقم).

أيها الأحبة في الله: إن الاستقامة على طاعة الله، والهداية بأمر الله ورسوله لمن أعظم أحوال السعداء، ومنازل العقلاء تلكم -والله- سعادةٌ من ذاقها بهداية واستقامة، ذاق شيئاً عجز عن ذوقه الأثرياء، وقصر دونه ذوو المناصب، ولم يبلغه ذوو الأحساب والأنساب، أليست الهداية والاستقامة جعلت بلالاً وهو عبد حبشي من أهل الجنة؟ ألم تجعل صهيب الرومي من أهل الجنة؟ ألم تجعل سلمان الفارسي من أهل الجنة؟ وما نفع أبا لهب أن كان ذا حسبٍ ومالٍ، وذا منصبٍ وجاهٍ في عشيرته، حيث قال الله عز وجل عنه: {سَيَصْلَى نَاراً ذَاتَ لَهَبٍ * وَامْرَأَتُهُ حَمَّالَةَ الْحَطَبِ} [المسد:٣ - ٤].

من أراد السعادة، فليعلم أنها في طاعة الله، ومن أراد السعادة فليعلم أنها في لزوم أمر الله، ومن أراد السعادة، فليعلم أنها في اتباع رسول الله صلى الله عليه وسلم، ومن خالف ذلك فاته من السعادة بقدر ما خالف، وإن ظن أنه نال سعادة وهمية بمجاملة ممن حوله، أو بابتسامات زائفة، أو بضحكات مؤقتة، إذ القلب لا يملؤه إلا زاده، ولا يشبعه إلا طعامه، ولكل شيء مادةٌ تحركه، فالناقلات وقودها النفط، والطائرات وقودها النفط وما اشتق منه، والبطون وقودها الطعام يملؤها فيحرك الجوارح فيها، والظمأ يطفؤ بالمياه، وأما القلوب فليس وقودها بنفط ولا بطعام ولا بشراب، أما القلوب التي هي ملكة الجوارح إذا صلحت صلح الجسد كله بكل حواسه وجوارحه، وإذا فسدت، فسد الجسد كله بكل حواسه وجوارحه، فطعامها ووقودها ومادتها التي تحركها ذكر الله جل وعلا، فالسعادة مصدرها اتباع أمر الله ورسوله، والشقاء سببه كل إعراض عن الله ورسوله: {وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكاً وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى} [طه:١٢٤].