للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[الاحتجاج بالأعراف والعادات على البدع والضلالات]

أيها الأحبة: هناك طائفة يحتجون بالآباء والأجداد كما أسلفنا وسردنا الأدلة، وطائفة يحتجون بالأعراف العامة، فيقولون: هذه أعرافنا وعاداتنا، والعرف ما تعارف الناس وساروا عليه من قول أو فعل أو ترك، وللأعراف البشرية مكانة عظيمة عند الأمم التي تسودها تلك الأعراف؛ ولذلك تجد في بعض القبائل من يقول لك: نتحاكم إلى العارفة، العارفة هو مرجع الأعراف والتقاليد، هو الحجة في هذه القضية، وهذا هو الكفر بعينة، قال عز وجل: {فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجاً مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيماً} [النساء:٦٥].

كانت تلك الأعراف لها قوة؛ لأنها بمنزلة القوانين التي تحكم الأمم والشعوب، وللأسف كانت تلك الأعراف جداراً صلباً صد الناس عن اتباع الحق، وقد قام صراع مرير بين الرسل وما جاءوا به من الشرائع الإلهية وبين أصحاب الأعراف والعادات من الزعماء وغيرهم، الذين يقدسون تراث آبائهم أو أجدادهم ولا يرضون أن تمس الأعراف التي تنسب للآباء والأجداد بأي قدح أو كلام، حتى ولو كان القادح لها من كلام الله وكلام رسوله صلى الله عليه وسلم، أو من كلام أئمة الإسلام وصحابة النبي الكرام عليهم رضوان الله عز وجل.

إن الأعراف والعوائد البشرية في كثير من الأحيان تقف حاجزاً أمام دعاة الإصلاح في مختلف العصور، فترى دعاة الحق مظلومين، وتراهم منبوذين،؛ لدعوتهم الناس إلى الرجوع إلى الدين الحق الذي أنزله تبارك وتعالى؛ ولمطالبتهم الناس بترك ما هم عليه مما يخالف شريعة الإسلام وآدابه في كثير من بقاع الدنيا.

لقد كانت الأعراف والعادات التي اختصها البشر، وتلقاها اللاحقون عن السابقين ديناً يتبع وشرعة لا تخالف، وميراثاً يحرص عليه حرصاً عظيماً، يصل إلى درجة أن تسفك في سبيل الحفاظ عليه الدماء، وتزهق النفوس، وتهدر الأموال، وهذا ديدن البشرية عبر تاريخها الطويل، حجتهم دائماً: إنا وجدنا آباءنا على أمة وإنا على آثرهم مقتدون، والأمة هنا هي الطريقة التي سلكها آباؤهم والعادات والأعراف التي اعتادوها ودرجوا عليها.

وهكذا يرفض الحق بلا دليل، ويرد الصواب بلا بينة، والهدى بلا برهان، وكل ما في الأمر أن الآباء والأجداد كانوا على ذلك والعياذ بالله.

ولقد كانت هذه الأعراف سبباً في ضلال كثير من النفوس، وتعطيل كثير من العقول، وحرمان كثير من الأفئدة من معرفة الحق والاهتداء به.

أيها الأحبة: هذه الأعراف من يضعها؟ يضعها طاغوت من الطواغيت، ظالم من الظلمة متنفذ في قومه ويجري التعامل بها عليهم، ولو قال لهم: إنها من عندي لكفروا بها ولكن يقول: هذه من الآباء، والآباء عن الأجداد، والأجداد ما كانوا على ضلالة بأي حال من الأحوال.

ولذلك كان المشركون يقتلون أولادهم، فمن الذي زين لهم ذلك الأمر؟ الشياطين: {وَكَذَلِكَ زَيَّنَ لِكَثِيرٍ مِنَ الْمُشْرِكِينَ قَتْلَ أَوْلادِهِمْ شُرَكَاؤُهُمْ} [الأنعام:١٣٧] والمقصود بالشركاء أولئك الزعماء والقادة ورجال الفكر الذين يقولون قولاً فيصبح طريقة متبعة، فيكونون بذلك مشرعين، يشرعون من الدين ما لم يأذن به الله.