للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[التوكل على الله سبب للسعادة]

الحمد لله على إحسانه، والشكر له على توفيقه وامتنانه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له تعظيماً لشانه، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله الداعي إلى رضوانه؛ صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً إلى يوم الدين.

عباد الله: اتقوا الله تعالى حق التقوى، تمسكوا بشريعة الإسلام، وعضوا بالنواجذ على العروة الوثقى، اعلموا أن خير الكلام كلام الله، وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثةٍ بدعة، وكل بدعةٍ في الدين ضلالة، وكل ضلالةٍ في النار، وعليكم بجماعة المسلمين، فإن يد الله مع الجماعة، ومن شذَّ شذَّ في النار، عياذاً بالله من ذلك.

أيها الأحبة: لا نزال نسوق هذه الرسائل إلى ذلك الشارد الخائف الجزع القلق الموتور المرعوب من المستقبل، فنقول له: توكل على الله: {وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ إِنَّ اللَّهَ بَالِغُ أَمْرِهِ قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْراً} [الطلاق:٣] إن من تعلق بغير الله انقطع، ومن سأل غير الله حرم، ومن اعتصم بغير الله خذل، ومن أراد أمراً بغير معونة الله لم يجد إلا نكداً وقد يجد قليلاً، ثم يكون القليل باباً إلى الكثير، اجعل طريقك إلى كل حاجة: سؤال الله، والاستعانة بالله، والتوكل على الله، فإنك محتاج، ومن احتجت إليه هو خلقٌ من خلق الله، وعبدٌ من عبيد الله، اسأل الله الذي خلقك وخلقه، وبيده ناصيتك وناصيته، وروحك وروحه، اسأل الله جل وعلا، فإن الله يسخر لك الكبير والصغير إذا تعلقت بالله.

وإنك لتعجب أن تجد مسلماً أشعث أغبر ذي طمرين مدفوعاً بالأبواب، إن غاب لم يفقد، وإن حضر لم يعرف، تجد ذات يوم أناساً من الكبار أو العظماء يرتادون بيته، ويقضون حاجته، وكيف بلغوا داره؟ وكيف قضوا حاجته ولم تظهر له صورة في صحيفة، ولم يظهر عنه إعلان، ولم تتكلم عنه نشرة، فما الذي جعل هذا الكبير، أو ذلك العظيم، أو ذلك القوي الغني يصل إلى داره؟ إنها دعوت سرت بليل بلغت عنان السماء، فسخر الله بها عبداً من عباده الأقوياء الأغنياء الأثرياء، فجعلهم يخرجون في تلك الليلة، أو في مثل تلك الساعة إلى بيته فيقضون حاجته، وما ظهر أمره إلى أحد أبداً:

من يسأل الناس يحرموه وسائل الله لا يخيبُ