للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[الخوف والخشية من الكفار]

كذلك من الأمور التي أوقعت بعض المسلمين في نسيان وذوبان قضية الولاء والبراء: الخوف والخشية من الكفار، نخاف المقاطعة، نخاف من أذية، نخاف من كذا، نخاف من كذا، نعم المسلم يحسب لأعدائه حساباً ولا يتساهل، ويعد العدة: {وَأَعِدُّوا لَهُمْ} [الأنفال:٦٠] لكن إن كنت تظن أن تذويب الولاء والبراء يعصمك من أذية الكفار، فاعلم أن الأمر كما أخبر تعالى عن الجن: {وَأَنَّهُ كَانَ رِجَالٌ مِنَ الْأِنْسِ يَعُوذُونَ بِرِجَالٍ مِنَ الْجِنِّ فَزَادُوهُمْ رَهَقاً} [الجن:٦] كان أناسٌ من العرب إذا نزلوا في أودية موحشة، واستوحشوا المكان، قالوا: إنا نعوذ بسيد هذا الوادي من سفهاء قومه، يعني: ما يستعيذون بالله، ما يلوذون بالله، بل يلوذون بكبير الجن (بالشيطان أو بالمارد) يقولون: إنا نعوذ بسيد هذا الوادي من سفهاء قومه، فما الذي يكون؟ الشياطين عندما يجدون هؤلاء العرب يستعيذون بالجن من دون الله، يقولون: تعالوا، هؤلاء قومٌ ضعفاء تسلطوا عليهم، فيزدادون عليهم تسلطاً وإرهاقا، كما أخبر تعالى في سورة الجن: {وَأَنَّهُ كَانَ رِجَالٌ مِنَ الْأِنْسِ يَعُوذُونَ بِرِجَالٍ مِنَ الْجِنِّ فَزَادُوهُمْ رَهَقاً} [الجن:٦].

كلما ازداد لياذ المسلمين بالكافرين، ازداد الكافرون لهم رهقاً وإذلالاً وتجويعاً وتشريداً، لكن الكفار لا يفرقون بين الجنسيات، اليوم تجويع في العراق، وهنا ضرب في السودان، وهنا فعل في داغستان، وهنا إبادة في الشيشان، الكفار لا يعرفون تمييزاً بين جنسية وجنسية أخرى.

فإذا علمنا تمام العلم أن الركون إلى الكفار، أو أن ذوبان قضية الولاء والبراء لا تنفعنا أمامهم، بل إن ذوبان القضية بدعوى أننا نخشى منهم هي في الحقيقة مدعاة لمزيد تسلطهم علينا، يتسلطون علينا وعلى أموالنا، على أولادنا، ولذا قال تعالى: {فَتَرَى الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ يُسَارِعُونَ فِيهِمْ} [المائدة:٥٢] فبين تعالى أنه لا يذوب قضية الولاء والبراء ويسقط في مآسٍ الموالاة للكافرين إلا من في قلبه مرض: {فَتَرَى الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ يُسَارِعُونَ فِيهِمْ} [المائدة:٥٢] لماذا تسارعون فيهم؟ {يَقُولُونَ نَخْشَى أَنْ تُصِيبَنَا دَائِرَةٌ فَعَسَى اللَّهُ أَنْ يَأْتِيَ بِالْفَتْحِ أَوْ أَمْرٍ مِنْ عِنْدِهِ فَيُصْبِحُوا عَلَى مَا أَسَرُّوا فِي أَنْفُسِهِمْ نَادِمِينَ} [المائدة:٥٢] وعسى من الله واجبة، والحمد لله لقد جاء فتح مكة، وأصبح مرضى القلوب (أهل الظنون الفاسدة) على ما أسروا في أنفسهم نادمين.

فكذلك الآن إذا سئل من سئل عن هذا التهافت والتساقط والانبطاح أمام الكفر، وقيل له: لماذا؟ يقول: نخشى أن تصيبنا دائرة، مثل ما قالت قريش لما جاء نهي النبي صلى الله عليه وسلم ونزلت سورة براءة ألا يحج البيت مشرك، وألا يطوف في البيت عريان، ومنع المشركين من قدوم البيت، قالوا: هذا ربما يضر بالاقتصاد، هذا يمنعنا، فأنزل الله: {وَإِنْ خِفْتُمْ عَيْلَةً فَسَوْفَ يُغْنِيكُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ} [التوبة:٢٨] أي: ما أغناكم إلا هؤلاء الكفار الذين يطوفون بالبيت عراة، هؤلاء الذين تنتظرون قدومهم عراةً بأنجاس الشرك والوثنية، وترضون ببقائهم جوار البيت حتى تضمنوا استمرار التدفق الاقتصادي أو المالي الذي تجنونه من ورائهم؟ وكذلك كل من عصى الله عز وجل بمعصية وهو يرجو وراءها من المطامع المالية، والله لا تزيده إلا رهقا، ولا تزيده إلا نقصاً وخسارة، سواءً كان ذلك من الأمر الظاهري، أو الأمر الباطني، ومن هنا نعلم أن كل شيء لا نستجلبه بما يرضي الله، فإنه ينقلب علينا بعد سخط الله بنقيض ما قصدناه وأردناه.

على سبيل المثال: السياحة، السياحة أمرٌ جيد إذا أردنا أن نحول دون تدفق الناس إلى الخارج ليكون سواحنا في أرضنا، وإنفاق السواح يعود إلى بلادنا وتقوية اقتصاد وطننا، هذا شيء جيد جداً، لكن هل من ذلك أن نجعل في السياحة من معاصي الله عز وجل ونرضاه حتى نقول من أجل أن تتدفق إلينا الأموال؟ لا.

لأننا ما اعتمدنا على السياحة في اقتصادنا، بل على فضل الله الذي أنعم علينا وأعطانا وأكرمنا وآوانا، لا بكدنا ولا بكد آبائنا وأجدادنا، نعم الآباء والأجداد والقادة والسادة والأمراء والعلماء الذين سلفوا، وموحد هذه الجزيرة عليه شآبيب الرحمة وأسكنه الله فسيح جناته الملك/ عبد العزيز له علينا حق الدعاء بالمغفرة والرحمة والجنة لما كان له من دور يدركه الآباء والأجداد، وبضدها تتميز الأشياء، لكن هذه الخيرات التي تدفقت، بماذا؟ بفضل من الله، ثم بالتوحيد والعقيدة والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، فإن حافظنا على العقيدة، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وإصلاح المجتمع، تستمر هذه الخيرات، وإذا أردنا أن نظن أن مزيداً من الخيرات سوف يأتينا، أو معالجة أي مشكلة سوف تأتينا بمعصيةٍ نرتكبها في أي مسمى، أو في ظل أي شعار، فإن ذلك لن ينقلب علينا إلا بنقيض ما أردناه بعد سخط الله، ولا حول ولا قوة إلا بالله! إذاً فالذين لا يتبرءون من الكفار، ولا يوالون المؤمنين، ويقولون: نخشى أن تصيبنا دائرة، فأولئك على خطر عظيم؛ لأن الأمر بيد الله، وإليه يرجع الأمر كله، فينبغي ألا نخشى أحداً إلا الله سبحانه وتعالى.