للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[فقدان فلسطين مكانها بين قلوب المسلمين]

الحمد لله على إحسانه، والشكر له على توفيقه وامتنانه, وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له تعظيماً لشانه, وأشهد أن محمداً عبده ورسوله الداعي إلى رضوانه, صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً إلى يوم الدين.

عباد الله! اتقوا الله تعالى حق التقوى, وتمسكوا بشريعة الإسلام وعضوا بالنواجذ على العروة الوثقى, واعلموا أن خير الكلام كلام الله، وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم, وشر الأمور محدثاتها, وكل محدثة بدعة, وكل بدعة ضلالة, وكل ضلالة في النار, وعليكم بجماعة المسلمين فإن يد الله مع الجماعة, ومن شذَّ شذَّ في النار عياذاً بالله من النار.

معاشر المؤمنين! إننا لم نبلغ حقيقة الإيمان إلا بشعورنا بالولاء والبراء, إننا لم نبلغ لذة الإيمان إلا بالموالاة في الله والمعاداة في الله, والله جل وعلا يقول: {وَالَّذِينَ كَفَرُوا بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ إِلاَّ تَفْعَلُوهُ تَكُنْ فِتْنَةٌ فِي الأَرْضِ وَفَسَادٌ كَبِيرٌ} [الأنفال:٧٣] إن لم نحقق هذا الولاء بيننا تكن فتنة عظيمة جداً, وإن ما نعيشه اليوم هو إفرازات ماضياً ضاعت فيه الأمة, وضاعت فيه مقدساتها, وضاع فيه القدس , وضاعت فيه القبلة الأولى, وضاعت فيه أرض المعراج والإسراء منذ تاريخه القديم.

ويوم تسمعوا هذه الكلمات لست أعني الحركة الانتحارية، ولكن أقول: حركة عملية ألا تنسوا فلسطين , وأن تكون فلسطين في دمائكم, إن كثيراً من أطفالنا نشئوا وقد نسوا شيئاً اسمه فلسطين , وسمعوا بشيء اسمه إسرائيل, ولقد كنا صغاراً في المدارس نتسابق إلى مدير المدرسة نقدم عشرة ريالات مكتوب عليها: ادفع ريالاً تنقذ عربياً, وإن كان في حقيقة قلوبنا أننا نريد أن ننقذ مسلماً, لأننا رأينا في العرب البعثيين, ورأينا في العرب اليهود, ورأينا في العرب من هم أخبث من اليهود, ورأينا في العرب من هم ألعن وأسوأ وأخبث تخطيطاً وتدبيراً للكيد والمؤامرات من الأعداء, وليس هذا بغريب وليس هذا بعجيب! ولكن الواجب -أيها الأحبة- وأنا أخاطبكم فيما تستطيعون, وكل مخاطب فيما يقدر عليه, وأول ما أخاطبكم به ألا تنسوا فلسطين في كل صلاة بدعوة واحدة: {فَدَعَا رَبَّهُ أَنِّي مَغْلُوبٌ فَانْتَصِرْ * فَفَتَحْنَا أَبْوَابَ السَّمَاءِ بِمَاءٍ مُنْهَمِرٍ} [القمر:١٠ - ١١] إن أبواب السماء تشققت كأفواه القرب, وأصبحت الأرض طوفاناً لا يملك لها قراراً, بدعوة واحدة, فلعل الله جل وعلا أن يرحم إخواننا وأن يهلك أعداءنا بدعوات مجتمعة.

أيها المسلمون! عودوا إلى خريطة التاريخ, واشرحوا لأطفالكم وأبنائكم خريطة فلسطين , وقولوا: هذه فلسطين يحدها من الشمال كذا, ومن الجنوب كذا, ومن الشرق كذا؛ ومن الغرب كذا, وقولوا لهم: في عام كذا دخل اليهود أرض إخوانكم, وتمكنوا فيها, وقولوا لهم: إن كتاب الله يقول: إن هؤلاء الذين دخلوا هذه الأرض سوف نقاتلهم في آخر الزمان -ونحن في آخر الزمان- وسوف تشترك الأشجار والأحجار في المعركة, حتى يقول الشجر والحجر: يا مسلم يا عبد الله ورائي يهودي تعال فاقتله.

ابعثوا قضية فلسطين ولا تشاركوا في دفنها ولا تشاركوا بوأدها, ولا تنسوا فلسطين من قلوبكم, ولا تنسوا فلسطين من دمائكم, إن المسلم الذي لا يعرف من الإسلام والمسلمين إلا حدوده الجغرافية, كما أكل المسلمون خارج حدوده, سيؤكل هو ويتفرج المسلمون عليه كما تفرج هو.

ومع إفرازات التاريخ من قريب وبعيد جعلنا نتفرج على كثير من بلدان المسلمين وهي تشكو الفقر والحاجة, وتشكو الذلة والمسكنة, وتشكو المذابح والإعدامات, وتشكو المشانق والزنازين, ونسأل الله ألا يؤاخذنا, ونسأل الله ألا يهلكنا, ونسأل الله أن يستجيب دعاءنا لإخواننا وأن يفرج كرباتهم.

معاشر المؤمنين! قد يقول قائل: إن هذه الخطبة قد تغير شيئاً في مجرى ما يدور؟ ولكني أقول: لا.

لن يغير في مجرى ما يدور إلا دعاؤكم أنتم, لن يغير مجرى الأحداث إلا دعاؤكم أنتم، قال الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ} [النمل:٦٢] وقال جَلَّ جَلالُهُ: {وَقَالَ رَبُّكُمْ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ} [غافر:٦٠] وقال سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِي إِذَا دَعَانِي} [البقرة:١٨٦].

إن إخواننا في فلسطين وفي أولى القبلتين وأرض الإسراء والمعراج لفي حاجة إلى الدعاء, وإن المجاهدين داخل فلسطين لفي حاجة إلى الدعم وإلى العطاء والزكوات والصدقات والوقوف معهم, حتى لا يقر يهودي بنومه, وحتى لا يتلذذ يهودي بلقمة, ولا يتلذذ يهودي بشربة، ولا ينام يهودي قريراً, ولا يمشي يهودي مطمئناً, وهم والله الآن في رعب, ربنا جل وعلا قال فيهم: {لا يُقَاتِلُونَكُمْ جَمِيعاً إِلاَّ فِي قُرًى مُحَصَّنَةٍ أَوْ مِنْ وَرَاءِ جُدُرٍ بَأْسُهُمْ بَيْنَهُمْ شَدِيدٌ} [الحشر:١٤].

إن اليهود بينهم من الخلاف والنزاع والافتراق ما الله به عليم، قال جَلَّ وعلا: ((بَأْسُهُمْ بَيْنَهُمْ شَدِيدٌ تَحْسَبُهُمْ جَمِيعاً وَقُلُوبُهُمْ شَتَّى} [الحشر:١٤] فما الذي جعلهم مجتمعين في أعيينا؟! إن فرقتنا -معاشر المسلمين- هي التي جعلتنا ننظر إليهم مجتمعين, ولو كنا مجتمعين لنظرنا إليهم متفرقين: {لا يُقَاتِلُونَكُمْ جَمِيعاً إِلاَّ فِي قُرًى مُحَصَّنَةٍ أَوْ مِنْ وَرَاءِ جُدُرٍ بَأْسُهُمْ بَيْنَهُمْ شَدِيدٌ تَحْسَبُهُمْ جَمِيعاً وَقُلُوبُهُمْ شَتَّى} [الحشر:١٤]، جبناء: {قَالُوا يَا مُوسَى إِنَّا لَنْ نَدْخُلَهَا أَبَداً مَا دَامُوا فِيهَا فَاذْهَبْ أَنْتَ وَرَبُّكَ فَقَاتِلا إِنَّا هَاهُنَا قَاعِدُونَ} [المائدة:٢٤] {قَالُوا يَا مُوسَى إِنَّ فِيهَا قَوْماً جَبَّارِينَ} [المائدة:٢٢] خوافون جبناء.

من الذي يصمد لهم؟ تصمد لهم حقيقة الإسلام.