للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[الصبر عند طلب العلم]

يا شباب: العلم يحتاج إلى صبر؛ فالطيارون الذين يقودون الطائرات، والأطباء الذين يعالجون الناس، ويجرون العمليات الجراحية لإنقاذ حياتهم، وطلبة العلم والعلماء الذين يدرسون في الجامعات، ويتبوءون التوجيه والإرشاد، هل حصلوا ذلك بالتجوال والدوران واللفلفة يميناً وشمالاً؟ لا.

إنما أخذوه بطول نفس.

أخي لن تنال العلم إلا بستةٍ سأنبيك عن تفصيلها ببيانِ

ذكاءٌ وحرصٌ واجتهادٌ وبلغةٌ وصحبة أستاذٍ وطول زمان

ستة أمور حتى يصل الإنسان إلى ما يصل إليه، الآن إذا رأيت ضابطاً معلقاً نجمة، تراه أخذ سنوات ثلاث عجاف شديدة قاسية، من الأمر والنهي والعسكرية والانضباط والجد حتى علَّق نجمةً واحدة!! ثم دورات حتى يعلق الثانية، ثم هكذا وهلمَّ جرا حتى يصل إلى مكانةٍ ما، فهؤلاء الذين يريدون الحياة شربة ماء، بدون أي بذل، بدون أي جهد ومشقة مساكين.

تسألني أم الوليد جملاً يمشي رويداً ويجي أولا

تريد أن تزحف على بطنك وتكون الأول في السباق، لا.

إذا أردت أن تكون الأول في السباق لابد أن تعد نفسك باللياقة والتدريب وأن تأخذ نفسك بالجهد ويتصبب عرقك حتى تكون أنت الأول في هذا المضمار وفي هذا الميدان.

بعض الشباب عنده حكمة يقول: من نام على الدرب وصل، ليس من سار، لا.

بل من نام على الدرب وصل، إن جاء أحد من هنا أو من هنا يقوده من هنا أو يجره من هنا، فبعض الشباب لولا لطف الله عز وجل، بل كلهم بلطف الله عز وجل وجدوا الهداية والاستقامة، لكن بعضهم قد يكون من الأسباب المعينة، أن نفعه الله عز وجل بمركز النشاط في الثانوية، أو أستاذ من الأساتذة الصالحين؛ مدرس رياضيات أو علوم شرعية أو لغة إنجليزية، صار يعظه وينصحه كل ما دخل الدرس أعطى درساً في الآداب في الأخلاق والسلوك، والتواضع، والحذر من معصية الله، والحذر من الجريمة، والخطيئة ومغبة المعاصي ومن شؤم المخالفات الشرعية، وعلى مدى اللقاء كل يوم استطاع أن يؤثر فيه، لكن بعض الشباب أيضاً قلبه أغلف أو لم يهيأ له ذلك المدرس الذي ينصحه، أو لم يكن له ذلك الأخ الشقيق في بيته، أو لم يكن له ذلك الأب الحنون المنتبه الواعي الفطن لمغريات الحياة، الآن وقوف الشاب مع والديه نادراً وقليلاً، أصبح أغلب وقتٍ يمكثه الشباب في المدرسة، ثم أمام القنوات التلفازية فضائيةً وغير فضائية.

ولا يمكن والله لو تأخذ- أجلكم الله- حماراً وتقابله كل يوم وتأخذه على نمط معين وعلى وتيرة معينة وعلى تصرفات معينة بمقدار ما يدرسه الشباب في المدارس وأمام الشاشات، لكان أكثر وتغير ولأصبح له طبعٌ غريبٌ وعجيب، بل البهائم الفيلة والحمير والأسود والبغال تساق لمدة زمنية معينة فتعرف المسألة تماماً، تعرف القضية تماماً، مثل ما وقفت على السواني بئر معلقه بها الدلاء وأطراف الحبال مربوطة- أجلكم الله- في الحمير والبغال، تعودها الحمار ففهمها، يمشي في المنحاة الذي هو الطريق الممر المخصص له حتى تنزل القربة في الماء، فإذا أحس بأن القربة امتلأت بشعور الثقل الذي يعلق به، تحرك من جديد إلى آخر المنحاة ثم القرب تصب الماء في الحوض، ويتصرف الحوض إلى المزرعة أو إلى غيره، ثم يرجع من جديد، إذاً لا أحد يقول: أنا لا أتأثر!!