للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[قرناء السوء والخلان سبب في الانحراف والخذلان]

ما أكثر اللصوص الذين عقدوا الخناصر، وضربوا الأكف على الأكف، وتعاهدوا وتعاقدوا أن يسرقوا، وأن يقطعوا الطريق ويجمعوا، ويقسموا الأموال وحصيلة السرقات بالسوية، فلما وقعوا تحت يد العداوة؛ أخذ بعضهم يسب بعضاً، والآخر يلعن صاحبه، والثالث يشتم الذي دعاه {إِذْ تَبَرَّأَ الَّذِينَ اتُّبِعُوا مِنَ الَّذِينَ اتَّبَعُوا وَرَأَوُا الْعَذَابَ وَتَقَطَّعَتْ بِهِمُ الْأَسْبَابُ} [البقرة:١٦٦] وفي آية أخرى: {رَبَّنَا أَرِنَا الَّذَيْنِ أَضَلَّانَا مِنَ الْجِنِّ وَالْأِنْسِ نَجْعَلْهُمَا تَحْتَ أَقْدَامِنَا لِيَكُونَا مِنَ الْأَسْفَلِينَ} [فصلت:٢٩].

يوم يقوم الشيطان، فيضحك على الجميع في النار، ويقول لأخلائه وجلسائه ولمن أطاعوه يقف الشيطان خطيباً يكلمهم في النار ويقول لهم: {وَمَا كَانَ لِيَ عَلَيْكُمْ مِنْ سُلْطَانٍ إِلَّا أَنْ دَعَوْتُكُمْ فَاسْتَجَبْتُمْ لِي فَلا تَلُومُونِي وَلُومُوا أَنْفُسَكُمْ مَا أَنَا بِمُصْرِخِكُمْ وَمَا أَنْتُمْ بِمُصْرِخِيَّ} [إبراهيم:٢٢] حتى الشيطان يضحك ويقهقه، ويتبرأ من الذين أضلهم، يقول لهم: والله ما كان معي عصا معطوفة في طرفها، فأجر رقابكم بها، وما كانت معي حبال كبلت أقدامكم وأرجلكم بها، وإنما كانت صورة، قلت: انظروا، فنظرتم إليها فصدقتم، أو كانت أغنية، فقلت: اسمعوا، فسمعتم ودنوتم من المعصية، هكذا يتبرأ أهل الباطل من باطلهم، ويتبرأ بعضهم من بعض يوم لا ينفع عتابٌ ولا ينفع مستعتب.

إن المجالسة أهلكت كثيراً من الشباب، كم من شاب كان من المصلين، فتعرف على جلساء سيئين، فقطعوه عن المسجد ألبتة، قطعوه بالكلية عن صلاة الجماعة، ورويداً رويداً حتى ترك الصلاة! كم من شاب كان نافعاً مهتدياً باراً وصولاً، ذا رحم طيبة، فقلبوه عاقاً فاسداً مفسداً! وصدق رسول الله صلى الله عليه وسلم: (مثل الجليس السوء كنافخ الكير؛ إما أن يحرق ثيابك وإما أن تجد منه ريحاً كريهةً).

أيها الشاب: لقد أحرق جلساء السوء ثيابك، لقد دنسوا سمعتك، لقد خربوا سيرتك، فلا طريق إلى العودة والطهارة والنجاة إلا بالبعد عن جلساء السوء، والعجيب منك -أيها الشاب! أيها الحبيب! أيها الصديق! - إني أعجب منك لو ذهبت تشتري حذاءً، لدخلت خمسة محلات من أجل أن تنتقي أحسن الأحذية، ولو ذهبت لتفصل ثوباً لدخلت أربعة محلات لتنتقي قماشاً مناسباً، وخياطاً مفصلاً ممتازاً، أما الصداقات فتقبل عليها بلا اختيار، أما العلاقات فتقبلها بلا مشورة، أما المجالسات فترتمي بنفسك في أحضانها من غير تأمل وتدبر الثوب بعد تأمل واختيار الحذاء بعد تأمل واختيار السيارة بعد تأمل واختيار قطعة الأثاث بعد تأمل واختيار، وأما جليسك فتختاره أو تقع فيه فوراً، وقد تكون أول مرة لقيته في مقهى، أو في مطعم، أو في جلسة في رصيف، أو في مكان من الأماكن التي يوماً ما ستشتم وتلعن تلك الساعة التي عرفت ذلك الشاب فيها، ولا يجوز لعن الدهر أبداً، وربما أخذ كلٌ يسب صاحبه ويتبرأ منه.

أيها الأخ الطيب: عليك بالصالحين، وعليك بإخوانك الطيبين، فإنهم -بإذن الله- حرزٌ متين، وموقع مكين، وإذا يسر الله لك ذلك فعليك أن تعض عليهم بالنواجذ.

كذلك -أخي الشاب- لربما قادتك بعض المجلات وبعض الكتب الهدامة التي قرأتها وسهرت الليالي عليها، وتظن أنك بذلك تنير عقلك، وتضيء فكرك، وتقوم لغتك، وتزيد معلوماتك، تظن أنك بهذه القراءة ستكون رجلاً مثقفاً معلوماتياً قادراً على الحديث في كل فن، فإذا بك بعد ذلك -يا مسكين- تقودك هذه الأفكار إلى رذيلة، وربما أثارت في نفسك شبهات ربما جرتك-والعياذ بالله- فانقلبت على عقبيك.

إن بعض الشباب يقبل على قراءة كتب لا يعرف أولها وآخرها، فما تلبث إلا أن تضلله، وتشككه، وتقذف الشبهات في قلبه، فيكون كما قال القائل:

أتاني هواها قبل أن أعرف الهوى فصادف قلباً خالياً فتمكنا

أخي الحبيب: اقرأ كلام الله، إن خير الكلام كلام الله، اقرأ هدي نبيك، إن خير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم، اقرأ سيرة الأربعة الخلفاء والأئمة الحنفاء، واقرأ سيرة العشرة المبشرين وأهل الشجرة، واقرأ سيرة قادات الإسلام الذين سطروا أروع المثل، وجعلوا في هذا التاريخ نماذج مشرقة كلٌ يفتخر بها، ولكن يوم أن أعرضت عن قراءة الكتب النافعة، وقرأت كتباً ضالةً؛ غيرت تلك المفاهيم، وما أكثر من قلبت المفاهيم في رأسه اجلس مع بعض الشباب تجده يتكلم عن الإسلام كالذي يتكلم منتقداً -وإن كان مسلماً، ولا يتبرأ من الإسلام- لكن من حيث يدري أو لا يدري ينتقد من يلتزم بالإسلام، وينتقد من يدعو إلى الإسلام، وينتقد من يحض على الإسلام، ويظن أنه بهذا ينافس المثقفين، أو يجاري المفكرين، أو يسابق المتقدمين، وإن هذا لهو الضلال المبين.

أخي الكريم: كم من فتاة مسلمة، وكم من شاب مسلم قرأ أفكاراًَ هدامةً فضللته، تصوروا أن فتاةً قرأت شيئاً مما كتبه بعض أعداء الإسلام؛ فانقلبت انقلاباً فكرياً، فبدلاً من أن تقول: إن المحرم الذي اشترطه الإسلام على المرأة أصبحت تقول: إن المحرم ذلك الجاسوس الذي يتابع المرأة نعم، إن المحرم رجلٌ ممن لهم قرابة وسبب ونسب بهذه المرأة، لكن المصيبة لما قرأت الشابة والفتاة أفكاراً ضالةً بدلاً من أن تقول: هذا محرم وحارس يصونها ويذود عنها ويدافع عنها، قالت: هو جاسوس يتابعها؛ لأنه يشك فيها ويسيء الظن بها.