للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

التألِّي على الله

والتألي على الله أيها الإخوة: هو أن يتألَّى الإنسان، وأن يستكثر، وأن يستدرك أن يكون فلاناً بن فلان الذي بلغ من المعصية شأواً، ومن الفجور حداً، ومن الذنوب مقداراً، يظن أن الله لا يهديه، وأن هذا لا يدخل الجنة، وأن هذا لا يضل أبداً، هذا مستقيم لا يضل أبداً، وهذا ضال لا يستقيم أبداً.

كلا والله، إن التألِّي سببٌ لإحباط الأعمال، ولا حول ولا قوة إلا بالله! فما رأيتَ من ضال فادعُ له بالهداية، وما رأيتَ من مستقيم فاسأل الله له الثبات.

روى مسلم رحمه الله بسنده إلى جندب رضي الله عنه، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم حدَّث أن رجلاً قال: (والله لا يغفر الله لفلان، فقال الله: من ذا الذي يتألَّى عليَّ ألا أغفر لفلان، قد غفرتُ لفلان، وأحبطت عملك).

هذا بسبب التألِّي قد غفر الله لذلك الذي ظن أنه لا يُغفر له، وأحبط عمل ذلك المتألِّي، ولا حول ولا قوة إلا بالله! وإنني أحذر نفسي وكثيراً من المسلمين الذين يقعون في هذا، ظناً منهم أن فاسقاً من الفساق، أو فاجراً من الفجار لا يمكن أن يهتدي (إن قلوب العباد بين أصبعين من أصابع الرحمن يقلبها كيف يشاء) فلا تظنن مستقيماً يموت على استقامته؛ إلا إذا عصمه الله ومن عليه بذلك، ولا تظنن مذنباً وفاجراً يموت على فجوره، إن الله قد يتداركه برحمته: {إِنَّ رَحْمَةَ اللَّهِ قَرِيبٌ مِنَ الْمُحْسِنِينَ} [الأعراف:٥٦] {وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ} [الأعراف:١٥٦].

{يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ} [الزمر:٥٣] من ذا الذي يستكثر على الله أن يهدي فاجراً أو فاسقاً أو مجرماً؟! فإذا رأيت مبتلىً فاحمد الله، ولا تتألَّى على الله، ولا تسخر به، فلا تهزأ بأخيك، فيعافيه الله جل وعلا ويبتليك، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم!