للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[ترك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر]

السبب الآخر -أيها الأحبة! - من أسباب هلاك الأمم: ترك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.

الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر الذي أصبح في زمن المتمدنين، وزمن الحضارة تدخلاً في شئون الآخرين.

الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر الذي أصبح في هذا الزمن تسلطاً وفضولية.

الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر الذي أصبح في زماننا هذا مثلبة لا منقبة عند كثير ممن لا حظ لهم من الفهم في كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، ولكن اعلموا -يا عباد الله! - أن سنن الله -كما قلنا- لا تتغير ولا تتبدل، إذا خلت الأمة أي أمة من الأمم من الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، فذلك مؤشر هلاكها وزوالها، كم تبقى بعد ترك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر من السنين؟ عشرين سنة، مائة سنة -الله أعلم- المهم أن أية أمة تترك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، أو تحاربه وتقف في طريقه، فاعلموا أنها منتهية زائلة هالكة لا محالة، وإن هي تمسكت بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، فإنها أمة محفوظة؛ لأن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر دليل وسبب من أسباب التمكين: {الَّذِينَ إِنْ مَكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنْكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ} [الحج:٤١] حينما يحصل التمكين، فمقومات بقاء التمكين: إقامة الصلاة والعناية بها، وإيتاء الزكاة وعدم التهاون في جبايتها وصرفها لمستحقيها، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، نعم، يوجد في بعض الأمم أمرٌ بالمعروف، ولا يوجد نهيٌ عن المنكر، فلابد أن يوجد الأمران كلاهما، لا بد أن نوجد الأمر بالمعروف، وأن نوجد النهي عن المنكر، ليس كما يقول بعضهم: دعها ديمقراطية، الذي يريد أن يعمل خيراً يعمل خيراً، والذي يريد أن يعمل شراً يعمل شراً، تباً وسحقاً وبعداً لهذه الديمقراطية!! بل لابد أن يؤمر بالمعروف، وأن يوطأ أنف صاحب المنكر إذا لم ينقد إلى الله بالحكمة والموعظة الحسنة، وإلا فإن سنة الله ماضية فيه وفي غيره.

انتبهوا إلى هذه المسألة، بعضهم يقول: يا أخي! لماذا التدخل في حريات الآخرين؟ عندك مشاريع خيرية تفضل، عندك أعمال خيرية تفضل، عندك أمور نافعة تفضل، لكن اترك الناس في ما هم فيه، ونقول: لا يمكن أن تتنازل، أو أن تتساهل أمة من الأمم تريد البقاء والتمكين، تريد العز والرخاء والنعيم بشيء من هذا، لابد أن يؤمر بالمعروف، وأن ينهى عن المنكر، ولذلك لا يذكر الإيمان بالله إلا ويقرن غالباً بالكفر بالطواغيت: {وَالَّذِينَ اجْتَنَبُوا الطَّاغُوتَ أَنْ يَعْبُدُوهَا وَأَنَابُوا إِلَى اللَّهِ} [الزمر:١٧]، ما يذكر شيء إلا بنفي وإزالة ضده بتاتاً، وإلا فما هي فائدة الأمر بالمعروف وترك المنكر يمضي على ما كان عليه؟ فلابد من تتبع المنكر والقضاء عليه حتى تسلم الأمة من شؤم ذنوب الآخرين والعياذ بالله، يقول الله جل وعلا: {فَلَوْلا كَانَ مِنَ الْقُرُونِ مِنْ قَبْلِكُمْ أُولُو بَقِيَّةٍ يَنْهَوْنَ عَنِ الْفَسَادِ فِي الْأَرْضِ إِلَّا قَلِيلاً مِمَّنْ أَنْجَيْنَا مِنْهُمْ وَاتَّبَعَ الَّذِينَ ظَلَمُوا مَا أُتْرِفُوا فِيهِ وَكَانُوا مُجْرِمِينَ * وَمَا كَانَ رَبُّكَ لِيُهْلِكَ الْقُرَى بِظُلْمٍ وَأَهْلُهَا مُصْلِحُونَ} [هود:١١٦ - ١١٧] لا تهلك أمة وأهلها أهل صلاح يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر أبداً.

ويقول سبحانه وتعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ لا يَضُرُّكُمْ مَنْ ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيْتُمْ} [المائدة:١٠٥] بعض الناس يقول: لا يضرنا من ضل إذا اهتدينا، نحن الآن مهتدون إن شاء الله بمنَّ الله وتوفيقه، ما هي الحاجة إلى أننا نتسلط على الآخرين؟ لا.

إن هذه الآية كما في الحديث: (يأخذها الناس مأخذاً غير ما نزلت فيه) كما قال ذلك الصحابي: (إنكم تقرءون هذه الآية، وتضعونها في غير موضعها، وإنا سمعنا رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: إن الناس إذا رأوا الظالم فلم يأخذوا على يديه أوشك أن يعمهم الله بعذاب من عنده) حتى لا يقول أحد: ذنبه على جنبه {لا يَضُرُّكُمْ مَنْ ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيْتُمْ} [المائدة:١٠٥] هذه الآية حجة، والدليل لنا وليس لهم؛ لأن تمام الهداية إقامة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وعدم التساهل في هذه المسألة بأي حال من الأحوال.

في الآية الأولى التي ذكرناها: {فَلَوْلا كَانَ مِنَ الْقُرُونِ مِنْ قَبْلِكُمْ أُولُو بَقِيَّةٍ يَنْهَوْنَ عَنِ الْفَسَادِ فِي الْأَرْضِ} [هود:١١٦] فما بالك إذا أصبح في الأمة من يخطط للفساد ويحميه؛ ومن يذب ويذود عن الفساد، حينئذٍ يكون الهلاك مضاعفاً، ولا حول ولا قوة إلا بالله.