للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[أعد الصحابة العدة ففازوا في النزال]

هذه الجنة يا عباد الله! كفى كذباً على أنفسنا نقول: إننا عملنا عملاً مناسباً لكي ننالها؛ لأنه لا يدخل أحدٌ جنة الله إلا برحمته، ولا ينال أحدٌ جنة الله إلا بمغفرة الله، قال صلى الله عليه وسلم: (إنه لن يدخل أحدكم الجنة بعمله، قالوا: ولا أنتَ يا رسول الله؟ قال: ولا أنا، إلا أن يتغمدني الله برحمته) رسول الله الذي غفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر، أول من ينشق عنه القبر، صاحب المقام المشهود، واللواء المحمود، والحوض المورود، أول من يمسك بحلق أبواب الجنة، فيقول: (من؟ فيقول: محمد، فيقول: لكَ أُمرت أن أفتح أدخل يا محمد).

هذا رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (ولا أنا -لا أدخل الجنة- إلا أن يتغمدني الله برحمته) فيا أيها الأحبة في الله! مع هذا الوصف لجنات الله جل وعلا، والقرآن مليءٌ بذكر وصف الجنة، هل أعددنا لها عملاً؟! من سار أدلج، ومن أدلج بلغ المنزلة، ألا إن سلعة الله غالية ألا إن سلعة الله الجنة ألا إن سلعة الله غالية ألا إن سلعة الله الجنة.

ويوم أن عرف الصحابة رضوان الله عليهم ثمن هذه الجنة، وعظم ثمنها ومنزلتها وما فيها من النعيم، أعدوا لها عدةً وتحملوا البلاء لوجه الله، ثم لأجل نوالها، والفوز بها، إننا ما عبدنا الله إلا طمعاً في ثوابه، وخوفاً من عقابه، هكذا عبده الأنبياء قبلنا، {إِنَّهُمْ كَانُوا يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَيَدْعُونَنَا رَغَباً وَرَهَباً وَكَانُوا لَنَا خَاشِعِينَ} [الأنبياء:٩٠].

هذه الجنة يا عباد الله! لأجل ما فيها من رضا الله، ولما فيها من النعيم، تحمل النبي صلى الله عليه وسلم ألوان العذاب، والأذى النفسي والعملي، وتحمل الصحابة رضوان الله عليهم كذلك، ولسنا بصدد التفصيل فيما لقيه النبي صلى الله عليه وسلم من وضع الشوك في طريقه، ووضع سلى الجزور وخلاص الناقة بعد ولادتها على ظهره، وطرده من مكة هائماً على وجهه! ووقوف أهل الطائف له سماطين يرجمونه بالحجارة! حتى أدميت قدماه.

وتمالأت قريش في دار الندوة ليثبتوه أو يقتلوه ويمكرون ويمكر الله، ثم كذلك ما لقيه الصحابة، فقد جاء خباب بن الأرت، فكشف ظهره للنبي صلى الله عليه وسلم، وفي ظهره من كي الحديد، (يا رسول الله: ألا تستغفر لنا، ألا تدعوا الله لنا) مما يلقون من العذاب، ويصبرون عليه طمعاً في رضا الله وجنته فيقول صلى الله عليه وسلم: (لقد كان الرجل فيمن كان قبلكم يؤتى به، فيمشط بأمشاط الحديد ما بين لحمه وعظمه، وينشر بالمنشار من مفرق رأسه إلى قدمه، ما يصده ذلك عن دينه).

ويجيء الصحابي في المدينة: (يا رسول الله! متى نأمن؟ أحدنا لا يبول إلا وسلاحه على كتفه، ولا ينام إلا وسلاحه تحت وسادته، فيقول صلى الله عليه وسلم: إنكم قومٌ تستعجلون، والله ليتمن الله هذا الأمر، وليظهرن الله هذا الدين، حتى يسير الراكب إلى حضرموت، لا يخاف إلا الله، والذئب على غنمه).

أيها الأحبة! أحد الصحابة من رجالات الدولة في عهد عمر بن الخطاب رضي الله عنه، بعث مفاوضاً إلى الروم فجيء به وقيل له تنصر واترك دينك، قال: ما أنا بمتنصرٍ ولا بتاركٍ ديني، فقالوا له: نعطيك نصف هذا الملك، واترك دينك، وتنصر؟ فقال: لا، قيل: إن لم تفعل لنعذبنك، فقال: لا، فأمر ذلك الملك بأن تضرم النار العظيمة، وتنصب القدور العظيمة، ويوضع فيها الماء والزيت، حتى إذا صار يغلي، جيء بالصحابي رضي الله عنه، ووقف به أمام هذه القدر التي تغلي ليلقى به فيها، فلما رفع ليرمى به بكى رضي الله عنه، فأنزلوه وعادوا به إلى الملك، قالوا: هل تترك دينك؟ قال: لا والله، قال: إذاً لماذا بكيت؟ قال: علمتُ أن ميتتي هذه شهادةٌ في سبيل الله أنال بها الجنة، فتمنيتُ أن لي مائة نفسٍ تموت هذه الميتة!! لقد عرفوا الله، وعرفوا نعيمه، فطلبوه، وبذلوا النفس والمال رخيصاً في لقاء ذلك وفي سبيل ذلك.

عباد الله!

يا سلعة الرحمن سوقك كاسدٌ فلقد عرضت بأيسرِ الأثمانِ

هل منكم من يُصَدُّ عن دينه؟! هل منكم من يُعَذَّب على دينه؟! هل منكم من يُفْتَن في دينه؟! عباد الله! جنةٌ عرضها السماوات والأرض، تنالها بأدنى قليلٍ من العمل، وبأكبر كبيرٍ من العمل إذا كان خالصاً لوجه الله ثواباً على ملة رسول الله صلى الله عليه وسلم، ما الذي يردنا أن نتنافس في هذه الجنة؟!

شمسٌ تزف إلى ضرير مقعدٍ يا محنة الحسناء بالعميان

نعيم الجنة يوصف لقلوب غافلةٍ ميتة، أسأل الله أن يوقظ قلوبنا من نومة الغفلات، وأن يرزقنا التوبة الصادقة والاستعداد للقائه، وأن يتوفانا وهو راضٍ عنا.

بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم، أقول ما تستمعون وأستغفر الله لي ولكم من كل ذنبٍ فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.