للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[ابن باز وبركة عمره]

الشيخ ابن باز لما توفي -أسأل الله أن يجعله مع النبيين والصديقين والشهداء وأن يجمعنا به وإياكم في ظل عرشه يوم لا ظل إلا ظله؛ لأنكم ولأننا جميعاً نحبه في الله، والله قد وعد المتحابين في الله كما في الحديث الصحيح في ظل عرشه يوم لا ظل إلا ظله- سماحة الشيخ ضجت الدنيا عليه في أنحاء العالم في أوروبا وأمريكا وأفريقيا وقارة آسيا وصُلِّي عليه صلاة الغائب وهو رجل واحد؛ لكن لما كان يحمل هموم أمة ولما كان أمة، لما كانت نفسه أمة في رجل، ولما كان صادقاً مع الله سبحانه وتعالى جعل الله شأنه هماً في عقول العرب والعجم والسود والبيض والسمر والصفر وغيرهم، حتى الآن المجالس وهي تتحدث في مناقبه، وعلمه، وعفوه، وكرمه، وجوده، وحلمه، وفضله، وإلخ، كيف؟ لما أصبح رجلاً مباركاً، والبركة أمر مطلوب، وإلا فالعدد بدون بركة لا فائدة منه، لو قال لك رجل: أسأل الله أن يرزقك عشرين ولداً، وأسأل الله ألا يبارك في واحد منهم، هل تسرك هذه الدعوة؟! هل يسرك أن يكون لك عشرون ولداً ليس في أحدهم بركة؟! لا والله، بل كلهم عبء عليك صرف، ونفقات ومشكلات، وكل يوم من أجل هذا جارُّون بك إلى المخفر أو إلى الشرطة أو إلى العسكر، أو يميناً أو شمالاً، هذا دَعَسَ، وهذا صَدَمَ، وهذا اخَتَطَفَ، وهذا ضَرَبَ، وهذا آذَى، وهذا سَرَقَ، لكن يسرك أن يكون لك ولو ولدٌ واحدٌ قد بارك الله فيه، ذكراً كان أو أنثى: {لا تَدْرُونَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ لَكُمْ نَفْعاً} [النساء:١١].

إذاً البركة في الشاب مطلوبة، لو أن واحداً قال: أسأل الله أن يرزقك مائة مليون، وأسأل الله ألا يبارك لك فيها، يمكن أن تنفق كل هذه الملايين في ترميم المصائب والمشكلات التي صارت كالسيل المنهمر المتتابع على أم رأسك، فلا تتلذذ من هذه الأرقام والملايين في شيء أبداً.

لو قيل لك: نسأل الله أن يعطيك كذا وكذا وكذا، كم من شاب قال: آه، لو تزوجتُ فلانة الفلانية التي يصدق عليها قول الشاعر:

عراقية العينين نجدية الحشى حجازية الأطراف هندية الشعرِ

الجميلة الممتازة هذه لو تزوجتُها لدخلتُ السعادة من أوسع أبوابها، وهب أنك تزوجتها ولم يكتب لك بركة فيها، ما الذي يكون؟ ستكون آخر عهدك وعلمك بالسعادة، تقول: الله قبل أن أرى هذا الوجه القَذِر كنت أنام مرتاحاً، وأستيقظ مرتاحاً، وآكل مرتاحاً، وأخرج مرتاحاً، لما دخلت هذه الجميلة الكحيلة العسيلة النحيلة ال ال إلى آخره ضيَّعَت علينا السعادة وأصبح لا هم لنا إلا حل مشكلاتها، يوم ذاهب بها إلى أهلها، ويوم آتٍ بها، ويوم نوصلها، وهذه حياتك معها.