للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[دور الأب في التربية]

إذا شب الطفل رويداً رويداً، تجده يتأثر بأبيه.

صديق لي مؤذن أولاده دائماً في البيت يؤذنون، وآخر والده خطيب ولده دائماً يرقي على كرسي، والآخر يصعد على وسادة، إن الحمد لله إن الحمد لله إذاً الطفل يتأثر بوالده حتى فيما قبل مرحلة الدراسة.

الطفل الذي تجد بيته قريباً من المسجد، تجده أكثر قدرة على الإنصات والمتابعة، والإلقاء وإعادة الأذان من غيره، لما يحيط به.

يهمنا في الدرجة الأولى أن نعرف وضع الطفل مع والده، شخصية الطفل تكتسب التأثير بالدرجة الأولى من شخصية والده، ولذلك فإن أكبر الجرائم أن يسعى أب من الآباء في إفساد أولاده، وذلك بعدم اجتنابه للمعاصي والمنكرات، وعلى أقل الأحوال حنانيك، فبعض الشر أهون من بعض ألا يرتكب المعصية أمامهم إذا كان واقعاً لا محالة، في حين اتفاق الجميع أن المعصية منبوذة ومرفوضة من صغير وكبير.

إن الأب من أكبر المؤثرين على ولده، وله أكبر دور في صناعة شخصية ولده، أتلاحظون أباً في مجتمع لا يهمه إلا التدخين ولعب الورق وأمور أخرى، تجد الأطفال يقلدون هذا السلوك بكل دقة.

يحدثني شاب يقول: كنا صغاراً إذا خرج أبي وأصدقاؤه من المجلس جلسنا وكل واحد منا واضع رجلاً على رجل، واتكأ وأخذ الشيشة، وأخذ بعضنا يتكلم مع بعض، ويضرب الذي بجانبه برأس الشيشة يا فلان! بنفس الطريقة يسترقون الطباع استراقاً شديداً.

والطفل قد يكون أبوه من أهل الطرب والفن، فتجد الطفل يتقن كيف يمسك العود، وانظر إلى شاب والده ذي صناعة معينة، انظر كيف يستطيع أن يحكم طريقة هذه الصناعة وبكل دقة.

أعرف رجلاً صرافاً في مكان ما، رأيت مجموعة من أولاده يعدون عملة معدنية بكميات كبيرة، فيعدون بطريقة عجيبة، أحاول أن أعد معهم بنفس الطريقة فلا أعرف، يمكن أنثر هنا ريالاً وهنا ريالاً، أما أولئك فيعدون بطريقة غريبة وسريعة أيضاً، كان والدهم صرافاً، ومنذ الصغر كان يصحبهم إلى محله أو مكان صيرفته، فتأثروا بأسلوبه وطريقة تعامله.

إذاً أكبر من يصنع شخصية الطفل هو الأب؛ فإذا كان الأب ممن يعتنون بزي معين، ستجد الابن بالضرورة يريد من أبيه أن يعطيه مثلما يلبس، طفل يرى أباه مغرماً بالبنطلون والجاكيت والقميص، يقول: اشتر لي مثل هذا يا أبي، وتجد طفلاً أبوه عالم بطبيعة عمله يلبس المشلح أو شيء من هذا، اشتر لي مثل هذا بالضبط، يأتي له ببنطلون يقول له: لا أريد، أريد مثل هذا الذي أنت تلبسه، ولو أعطيت المشلح الصغير لابن صاحب البنطلون أو العكس، لا أحد من هؤلاء يقبل؛ لأن كل صغير يرى أن صورة والده هي الصورة الأكمل والأسمى والمثلى.

إذاً فنحن لنا دور في صناعة شخصيات أبنائنا وأولادنا، ولذلك إياك أن يراك ولدك ذليلاً فيتعلم منك الذلة، إياك أن يراك ولدك جباناً أو خواراً أو ضعيفاً فيتعلم منك ذلك، إياك أن يراك ولدك خائناً أو مخادعاً فيتعلم منك ذلك، لو رأى الخيانة والخداع من الآخرين لجاء يخبرك مستنكراً، أما وقد رآها منك فسوف يقلدك مفتخراً.

إذاً فللأب دور كبير وعظيم في صناعة شخصية ولده، والكثير منا لا يعرف، وإن كان يعرف لا يبالي أن شخصيته لها دور في صناعة ولده، إلا من رحم الله، وقليل ما هم.

ونتيجة للجهل بهذا الأمر لا تجد الأب حينما يكون لديه رجال في مجلس علم لا يدعه يجلس، بالعكس دعه يجلس، حينما يرى طريقتك في إدارة حوار، أو طريقتك في إمساك كتاب، أو طرح نقاش، أو طريقتك في طرح قضية معينة، وإن كان لا زال صغيراً على الدخول في أعماق الفكرة، لكن حقيقة الأمر أنه يكتسب رويداً رويداً.

وأضرب لكم مثالاً عن نفسي، ودائماً الذي يرزق بأول مولود يحتار لا يعرف كيف يربي، حتى وإن درس التربية، لا بد له من نماذج عملية يقتدي بها ويعرفها، لي ولد صغير أسأل الله له الصلاح، ما كنت أعرف كيف أتعامل معه إذا خرج من البيت بدون إذني، لا زال صغيراً عمره أربع سنوات، وبجوارنا في بيت الجيران لعبة يلعب الأطفال بها، لكني لا أريد أن يكتسب هذا الطفل من الخارج شيئاً.

أعرف أهداف التربية، لكن لا أعرف كيف أتعامل معه، تارة أضرب، وتارة أرفع الصوت عليه، وتارة أهدده بالحرمان، وتارة وتارة، قدر لي أن أزور أحد الأصدقاء في دولة ما، ووجدت أطفاله في سن ولدي بالضبط، فكنت جالساً معه في بحث موضوع لا أريد أن يجلس معنا أحد فيه، فقال لأولاده الصغار: لو سمحتم يا فلان وفلان! أنا عندي اجتماع خاص مع عمكم فلان، ورجائي تتيحوا لنا الفرصة نتحدث لبحث الموضوع بصورة من الهدوء، ولو تكرمتم تفضلوا، فهزوا رءوسهم وخرجوا.

أنا واثق أنهم لم يفهموا شيئاً، لكن أسلوب المعاملة دل على أن هناك نوعاً من الاحترام، لكن المحصلة النهائية نريد منكم أن تتفضلوا مشكورين، ففهموا هذه القضية وخرجوا، أما تفاصيل الكلام ما فهموا منه شيئاً، فقلت له: أنت تتعامل مع الأولاد بالطريقة هذه، قال: بغير هذه الطريقة لا يمكن أن تتعامل مع الطفل، وفعلاً جئت وعدلت أسلوب التربية، الولد مستغرب جداً.

أبي ما هو بصاحي!!

قسا ليزدجروا ومن يك راحماً فليقس أحياناً على من يرحم

أحياناً قد تقسو وقلبك كله يتقطع حسرة وشفقة على ولدك، لكن أحياناً تظن أن هذا هو أقرب ما تملك لتوجيه الطفل من مراحل مبكرة، يستغرب ويعجب، خلال فترة معينة استطاع هذا الولد اسأل الله أن يديم علينا وعليكم وعلى ذرية المسلمين الصلاح والهداية والاستقامة، بمجرد الخطاب العادي، يا بني تفضل يتفضل، يا بني نصلي نصلي، اجلس يجلس، اذهب معنا يذهب.

السبب أن البعض لا يستطيع أن يتعامل مع ولده بهذا الأسلوب، وبهذه الطريقة، لماذا؟ مادام لك أكبر أثر في صناعة شخصية ولدك، فثق تمام الثقة أن لديه الاستعداد أن يتقبل منك في المراحل المبكرة، ولا يعني ذلك أن الطفل سيكون ملاكاً لا يخطأ، لا، سيكون عنده أخطاء، وستكون عنده نوع من الغرائز التي تنمو مبكرة، غريزة الاعتداء على الأطفال، وأخذ اللعب التي في أيديهم، غريزة الطمع، يريد أن يكون نصيبه أكثر من نصيب أخته، يريد أن يكون الأول في الخروج والدخول قبل إخوانه.

مجموعة غرائز معينة، قضية كونه يريد أن يكون الأول، وإذا ركبت السيارة يريد أن يركب في المقدمة، وإخوانه كلهم في الخلف، هي غريزة حب الشهرة، لكنه في هذه المرحلة يترجمها بهذا الوضع، في مرحلة معينة لها صورة، في مرحلة أكبر لها صورة، لكن أصل الغريزة موجودة، غريزة أخذ ما في أيدي الأطفال، حب التملك، وهذه الغريزة تختلف في صورتها بحسب مراحل نمو الإنسان.

والإسلام بالمناسبة، وهذا كلام جميل قاله الشيخ مناع خليل القطان، في رسالة أنصح الجميع بقراءتها وأسمها تهذيب الغرائز في الإسلام، قال: إن الإسلام لا يكبت الغرائز، ولا يكبح الغرائز، ولكن يهذب الغريزة، توجد غريزة تملك تفصل أبواب التملك في الإسلام مفتوحة، لكن عليها ضوابط، ولها أمور تقيدها، حتى لا تكون حرية التملك سبباً في الاعتداء على حقوق الآخرين، خلافاً للأنظمة الشيوعية التي منعت الإنسان أن يتملك، تقول: أنت إنسان تريد أن تأكل وتشرب، خذ وكل واشرب وأما التملك فليس لك فيه حاجة.

ولذلك في فترة من الفترات، لاقت الشيوعية عنتاً من إضراب العمال؛ لأنها كبتت هذه الغريزة، يأتي العاملان في مصنع واحد، تجد عاملاً سميناً طويلاً يأكل أربع دجاجات، ويستهلك كذا رطل من الماء والعصير، وثلاثة تباسي رز الخ وفي النهاية يصنع كرسياً واحداً في اليوم، ويأتي عامل نحيل، لا يشتهي الأكل، يأكل نصف دجاجة، ويشرب كأساً واحداً من العصير أو الماء، وينتج نفس الكرسي، عجيب! هذا ينتج نفس الإنتاج وهذا يأكل أكثر من هذا! ذلك العامل يرى أنه مظلوم، فأضرب عن العمل، وأضربت طوائف كثيرة من العمال عن العمل؛ لأن قضية التملك مكبوتة، كونك تعطيني آكل واشرب وألبس هذا لا يكفي، عندي غريزة أحب أن أتملك، أريد أن يكون لي رصيد، وأريد أن يكون لي سيارة أملكها، أريد أن يكون لي بيت أتملكه، ذلك ما بدأت تتنازل الشيوعية عنه.

أخيراً ولعلهم -كما يزعمون- في عهد هذا المجرم جورباتشوف هو أوسع من فتح النظم الشيوعية على الإطلاق، ولكن دندنة وشنشنة أخزمية، يراد بها في يوم من الأيام ضربة للمسلمين، أو تصوير جديد للشيوعية بمنطلق أو بصورة جديدة حتى ينخدع المسلمون بها، لكن أما وقد أسفر الصبح لذي عينين، وقد علم الناس وعرفوا مساوئ هذه الشيوعية، وما فيها من كبت للحريات وللحدود وللتملك.

الأنظمة الرأسمالية تملك ما تشاء، وكانت قبل قضية الرأسمالية في أوروبا أنظمة الإقطاع، أي: أنك تملك مزرعة كبر السويدي والبديعة وشبرى بمن فيها من الناس والبشر، البشر مسخرون والإقطاع تملكه، وكل هؤلاء يكونون عبيداً تحت هذا المالك، أما الإسلام فما فتح هذا الباب على مصاريعه، تملكوا الناس وتملكوا الأرض وتملكوا كل ما فيها، لا، وما حجب الناس أن يتملكوا، بل لهم أن يتملكوا، وقد جاء من الصحابة تجار أثرياء كبار جداً كـ عبد الرحمن بن عوف، وعثمان بن عفان وكثير منهم.

الإسلام لم يكبت هذه الحرية ولم يفتحها، بل هذب غريزة حب التملك، الغريزة الجنسية، الرهبنة النصرانية القسس -كما يزعمون- أنهم يحرمون ويتبتلون ذكوراً وإناثاً عن الزواج، وفي المقابل الآخر انفتاح لا أخلاقي وإباحية مطلقة، وأما في الإسلام فنحن لا نطلق هذه الغريزة الجنسية، ولا تكبت كبتاً كما يفعله اليهود والنصارى، لكن تهذب الغريزة الجنسية بالزواج، وبما تملك الأيمان إلى آخر ذلك.

إذاً الإسلام يهذب الغرائز، ولا يكبتها، وثقوا أن هذا الغرائز أيضاً غرائز فطرية، فيولد الطفل ومعه مجموعة من الغرائز، فإياك أن تكبت الطفل من غريزة، لكن ينبغي أن تهذبها وأن توجهها، ولو انطلقت غريزة من غرائزه في وقت مبكر؛ فعليك أن ترعاها بدقة حتى يحين الوقت المناسب لتحقيق رغبته الغريزية في إطار حدود الشريعة.

إذاً ينبغي ألا نتجاهل في قضية التربية أن الأطفال والصغار لديهم غرائز فينبغي أن يكون لهم دور، لو سألت الكثير هل