للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[توجيه النشء بين الأمس واليوم]

أود أن أوجز ما تبقى من هذه الكلمات بمسمعٍ منكم أيها الأفاضل لأؤكد وأكرر أن الإسلام وهذه الشريعة المحمدية والهدي النبوي جاء مؤكداً على ضرورة التوجيه منذ نعومة الأظفار، ومنذ بداية السن، وليس بعد زمنٍ متأخرٍ كما يفعله كثيرٌ من الناس.

إن النبي صلى الله عليه وسلم رأى عمرو بن سلمة، كان غلاماً صغيراً تطيش يده في الصحفة، فأرشده النبي صلى الله عليه وسلم ووجهه، قال: (يا غلام! سمِّ الله، وكل بيمينك، وكل مما يليك) ثلاثة توجيهات، (يا غلام! سمِّ الله، وكل بيمينك، وكل مما يليك).

من المؤسف أن تجد كثيراً من الآباء والأمهات اليوم لا يعتنون بتوجيه الناشئة بآداب الإسلام، لا في الطعام، ولا في الشراب، ولا في الدخول، ولا في الخروج، ولا في دخول الخلاء، ولا عند المبيت، ولا عند الاستيقاظ، لقد تعلمنا كما قلت من عجائز جدات وأمهاتٍ ما عرفوا الدراسة ولا يعرفون الألف من الباء.

إذا أصبحنا بمجرد أن تشير الأم إشارة، يقول: لا إله إلا الله، محمدٌ رسول الله، أول ما يصبِّح بذكر الله عز وجل.

وإذا أراد أن يأكل: مَسَكََت يده، ماذا نسيتَ؟ فيقول: نسيتُ باسم الله، ثم تطلق يده.

وإذا أراد أن يقوم: مَسَكَت ثوبه، ماذا نسيتَ؟ قال: نسيتُ الحمد لله، يحمد الله بعد ذلك.

إذا أراد أن يدخل: ماذا تقول؟ اللهم إني أعوذ بك من الخبث والخبائث.

هؤلاء الذين رضعوا الدين رضاعة، وعاشوا على الفطرة، ما دنَّستهم قنوات، ولا أفسدتهم ماديات، ولا غيرتهم عجائب وغرائب الزمان، علَّموا وخرَّجوا رجالاً وأجيالاً، وقادة وسادة، وأمراء وصالحين، ووزراء ومهندسين، وطيارين ومعلمين وكل التخصصات التي تحتاجها الأمة، تخرجوا من أمهات وآباءٍ أميين وأميَّات، وللأسف أن كثيراً من المتعلمين والمتعلمات اليوم لا يخرجون جيلاً مؤدباً يلتزم بآداب الإسلام وأخلاقه وتعاليمه.

إن القضية ليست شهادة، وليست القضية مرحلة، وليست القضية مرتبة ولا جاهاً ولا نسباً؛ المسألة هي: العناية.

هل يسرك أن يستمر عملك بعد موتك؟ هل تتمنى أن تُدفن في المقبرة ويكون هذا آخر عهدك ونهاية رصيدك وإقفال حساباتك في الأعمال الصالحة؟! أم تتمنى أن تكون ممن يجري لهم العمل الصالح حتى ولو بعد دفنهم وموتهم وفراقهم الدنيا، إن كنت كذلك فعليك بالولد الصالح بتربيته ونشأته، قال صلى الله عليه وسلم: (إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا من ثلاث: علمٍ ينتفع به، أو صدقة جارية، أو ولدٍ صالح يدعو له).

لسنا جميعاً أثرياء حتى نقول: سنترك صدقات جارية، لسنا جميعاً علماء حتى نترك علماً يُنتفع به، لكن الكثير والغالب إلا النادر هو الذي يستطيع أن ينجب ولداً، فإذا استطعت الإنجاب فاجعله ولداً صالحاً يدعو لك بإذن الله، ويبقى لك.