للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[شبهة الاحتجاج بأن المعاصي مقدرة والرد عليها]

واحذر من مقالة الجبرية والمعطلة والضائعين الذين يقولون: هكذا كتب علينا أن نضل، وهكذا اختير لنا أن نزيغ، ولا خيار لنا أن نكون أبراراً أم فجاراً! هذه دعوى كثيراً ما يرددها بعض الشباب، فإذا قلت له: أخي! اتق الله عد إلى الله صل مع الجماعة أطع والديك بر بوالديك صل رحمك إياك والمحرمات إياك والملاهي إياك والعبث إياك والمنكرات إياك والفواحش قال: لو أريد لي الهداية لاهتديت، لكن اسألوا لي الهداية.

سبحان الله العلي العظيم! هذه الحجة التي كثيراً ما نسمع عدداً لا يستهان به من الشباب يرددونها، والواحد منهم لا يلوم نفسه أبداً في أي ضلالة أو منكر أو تقصير أو غواية، وإنما يقول:

هذا جناه أبي علي وما جنيت على أحد

هذا ليس باختياري، قدري أن أكون مدخناً، وقدري أن أستمع ( fm و MBC) قدري أن أكون مغنياً، وقدري أن أكون ممثلاً، وقدري أن أكون ضالاً، وقدري أن أكون مجنوناً في التشجيع الرياضي وملاحقة الأعلام والصياح والصراخ والدوران في الشوارع عند الأهداف، وقدري أن أكون تافهاً سخيفاً لا قيمة لوقتي لا مكانة لشخصيتي أحب الدوران في الأسواق أحب مضايقة الفتيات، ومعاكسة النساء في الأسواق، ومعاكسة الشباب والصبيان والأحداث هذا قدري! نقول: كذبت وما أصبت، وما بحقيقة نطقت، ولا حاجة أن ننصب لك كثيراً من الأدلة الشرعية، لكننا سنضرب لك أمثلة عقلية واقعية؛ حتى تعرف أن احتجاجك بهذا احتجاج ضلالة واحتجاج شبهة، وهي كشبهة الشيطان الذي ضل وغوى واستكبر وجحد وأبى، ثم قال: رب بما أغويتني، لم يقل: غويت، قال: رب بما أغويتني.

أخي الحبيب! سأضرب لك مثلاً: لو أنني الآن أشكو من الظمأ، أليس حالتي في الظمأ هي قدر من الأقدار؟ أنا الآن ظمآن أريد ماءً، والحالة التي أنا فيها قدر، وهذا قدر الشرب أعالج به قدر الظمأ، فأحصل على قدر الري، فلا تحتج بهذا، وكذلك إذا كنت أعاني من الجوع، وأمعائي تتقطع مخمصة ومجاعة وأقول: أنا جائع جداً، نعم إن الحالة التي أشكو منها الآن وهي الجوع هي قدر، ولكن قربوا قدر الطعام لأضرب فيه بخمس، فإذا شبعت وحصلت قدر الكفاية والشبع، كذلك إذا كنت تقول: أنا في قدر الضلالة، أنا في قدر الغواية، أنا في قدر الانحراف، نقول لك: عالج قدر الانحراف بأقدار أسباب الهداية، هذا قدر الانحراف: ملاهٍ وأغان وضياع وقلة أدب ومسخرة وإزعاج للناس، تعال وعالجها بقدر الهداية، وما هي أسباب هذا القدر؟ إنها: جليس صالح كتاب صالح شريط صالح موعظة نافعة قلب حاضر مبادرة إلى الصلاة مجاهدة للنفس، هذه أقدار وأسباب تحصل قدر الهداية.

إذاً هذا هو علاج شبهة كثير من الشباب الذين إذا نصحوا ودعوا إلى الله ورسوله، قالوا: نحن هكذا مكتوب علينا، وإن شاء الله يأتي يوم من الأيام ونهتدي، ويمكن أن نموت على هذه الحال! نقول: لا، لا، لا، وأكبر دليل أنك ما استسلمت لقدر الجوع، بل عالجته بقدر الأكل، فحصلت قدر الشبع، ما استسلمت لقدر الظمأ، بل عالجته بقدر الشرب، فحصلت قدر الري، ما استسلمت لقدر البرد، وإنما عالجته بقدر اللباس، فحصلت قدر الدفء، ما استسلمت لقدر الحر، بل عالجته بقدر المكيفات والمراوح، فحصلت قدر البرد والراحة والطمأنينة، وهذا أمر معلوم، إذاً لا حجة لأحد أن ينازع أو يجادل في ذلك، فضلاً عن أن الله عز وجل قد جعل لك كما أخبر سبحانه: {أَلَمْ نَجْعَلْ لَهُ عَيْنَيْنِ * وَلِسَاناً وَشَفَتَيْنِ * وَهَدَيْنَاهُ النَّجْدَيْنِ} [البلد:٨ - ١٠]، {فَأَمَّا مَنْ أَعْطَى وَاتَّقَى * وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى} [الليل:٥ - ٦] يحصل قدر اليسرى والهداية {فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرَى * وَأَمَّا مَنْ بَخِلَ وَاسْتَغْنَى * وَكَذَّبَ بِالْحُسْنَى} [الليل:٧ - ٩] يحصل قدر الضلالة والغواية {فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْعُسْرَى * وَمَا يُغْنِي عَنْهُ مَالُهُ إِذَا تَرَدَّى} [الليل:١٠ - ١١].