للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[كيف يهنأ لمسلم سياحة]

كيف يهنأ لمسلم مُنْتَجَع؟! وكيف يهنأ لمسلم سياحة وهو يعلم أن الأعراض في البوسنة تُنْتَهَك، يتعاقب الصرب على فرج الفتاة العذراء الصغيرة؟! وكيف تهنأ السياحة والجياع يموتون في الصومال جوعاً؟! وكيف تهنأ السياحة والمسلمون في الفليبين الآن في كتباتو وفي مراوي يواجهون حرباً شعواء ضروساً من النصراني راموس؟! السياحة كيف تهنأ بها والفتن محيطة حتى ببلادنا هنا؟!

فإن كنت لا تدري فتلك مصيبة وإن كنت تدري فالمصيبة أعظمُ

من كان يقول: إن واقعنا اليوم كواقعنا قبل سنتين فقط فلا حظ له من الفهم والوعي السياسي والاجتماعي والاقتصادي والإعلامي: (انتهى وقت النوم يا خديجة).

قال امرؤ القيس لما قُتل أبوه: اليوم خمر وغداًَ أمر.

انتهى هذا العبث، وانتهى ذاك اللهو، وقد آن لنا أن نعمل، وآن لنا أن نجد، وآن لأفعالنا أن تنطق ولو سكتت ألسنتنا.

صامت لو تكلما لفظ النار والدما

وأخو الحزم لم يزل يده تسبق الفما

لا تلوموه قد رأى منهج الحق أظلما

وبلاداً أحبها ركنُها قد تهدما

وطغاةً ببغيهم ضجت الأرض والسما

كيف تهنأ السياحة والأبرار الأحرار، الأتقياء الأوفياء الأصفياء خلف القضبان في السجون والزنازين في بلاد تدَّعي الإسلام وقد ملئت سجونها بعشرات الآلاف من المسلمين.

أيها الأحبة: إن القضية والمأساة والأزمة إنما هي في القلوب، ألا وإن في الجسد مضغة إذا صلحت صلح الجسد كله: {فَإِنَّهَا لا تَعْمَى الْأَبْصَارُ وَلَكِنْ تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ} [الحج:٤٦].

(إن الله لا ينظر إلى صوركم ولا إلى أجسامكم ولكن ينظر إلى قلوبكم).

فإلى أولئك الذين قد أعدوا عدة السفر نقول: أحبابنا! اتقوا الله، إخواننا! راقبوا الله، إخواننا! أربعوا على أنفسكم ففينا وفيكم من الذنوب والعيوب والزلات والهفوات ما الله به عليم، فلا حاجة أن تطفح الموازين بمزيد من الذنوب والمعاصي.

نقول لأولئك الذين جمعوا ريالاً مع آخر، وديناراً مع آخر: اصرفوها وابتغوا بها وجه الله تنفعكم: {يَوْمَ لا يَنْفَعُ مَالٌ وَلا بَنُونَ * إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ} [الشعراء:٨٨ - ٨٩].

وما نهاية عبدٍ جوَّال؟! ما من شلال إلا وتمتع بالنظر إليه، أو جبل إلا وأكل وجبة على سفحه، أو سهل إلا وتناول شراباً على خضرائه، أو بحيرة إلا وتناول الشاي على أطرافها، أو بحر إلا وأبحر بزورق في أمواجه، ما هي نهايته؟ نهايته اللحد كنهاية مَن لم يعرف في السياحة ألفاً ولا باءً، مادامت النهاية هي اللحود فاعمل لدار البقاء.

فاعمل لدار غداً رضوان خازنها الجار أحمد والرحمن بانيها

لا دار للمرء بعد الموت يسكنها إلا التي كان قبل الموت يبنيها

ابنِ ما شئت، واشترِ ما شئت، وعَمِّر ما شئت، فليست تلك بدورك، وليست بقصورك، وليست بمنازلك، إنما منزلك البرزخي لحد طوله متران وعرضه شبران، هذا هو بيتك، وهذا هو مآلك، وهذا هو مصيرك، ولو كنت ضابطاً مرموقاً فلن يُدفن جندي معك، ولو كنت رئيساً عظيماً فلن يُدفن خادم معك، ولو كنت ثرياً كريماً فلن يُدفن دينار معك، ولو كنتَ مَن كنتَ فلن يُدفن معك ولن يؤنِّسك إلا عملُك الصالح.

بعد هذه الجولة الطويلة في الدنيا بأبعادها وجنباتها يموت ابن آدم، وفي نهاية الرحلة يودعه ويشيعه ثلاثة: عمله، وماله، وولده، فيرجع ماله وولده ويبقى عمله، فاعمل لنفسك.