للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[إثبات وجود الله وقدرته]

أولها: أن الله الذي أوجد هذه الآيات الكونية، أن الله الذي خلق الشمس والقمر، أن الله الذي خلق الجبال والبحار، أن الله الذي خلق جميع الآيات والكائنات، الذي أنشأها من العدم وصرفها كما يرى العباد، وصرفها بقدرته ومشيئته، كما يرى العباد رؤية الأبصار لا رؤية المشيئة، يوم أن صرفها وأنشأها فهو قادرٌ على تغييرها وهو قادرٌ على إخلاف مساراتها وقلب نظمها وقوانينها، فذلك دليلٌ ولفتةٌ وانتباهٌ للعباد أجمعين.

إن العباد يوم أن يصبحوا ويرون الشمس مشرقةً من المشرق، ويوم أن يمسوا ويرون الشمس تغرب من المغرب، فإذا جاء الليل رأوا القمر في كبد السماء أو في أحد أطرافها، إذا استمروا على ذلك ولم يروا تغيراً أو تنوعاً أو تقلباً، فإن الكثير من الغافلين يظنون أن هذا أمرٌ لا بد ولا محالة كائن، سواء بتدبيرٍ أو بغير تدبير، وهنا يُظهر الله جل وعلا آياته فيخلف آيةً من هذه الآيات، فقد تحتجب الشمس وقد ينخسف القمر وبعد ذلك يقف العباد وقفة دهشة!! كيف تغير هذا النظام؟ وما الذي غير مسار هذا الكوكب؟ إن الذي خلق ذلك وأبدعه وأوجده من العدم، قادرٌ على تغييره، وقادرٌ على قلب مساره، وقادرٌ على إفنائه كما أوجده، إنها لآية عظيمة من آيات الله جل وعلا، ولكن أكثر الناس عن آيات الله معرضون، ولكن أكثر الناس لا يعلمون.

عباد الله! خسف القمر على وقت النبي صلى الله عليه وسلم، فكانت الناس تقول: إنما تنكسف الشمس أو ينخسف القمر لموت عظيم أو حياة عظيم، فقال صلى الله عليه وسلم: (إن الشمس لا تنكسف، وإن القمر لا ينخسف لموت عظيمٍ أو حياته، وإنما هما آيتان من آيات الله، يخوف بهما عباده، فإذا رأيتم ذلك فادعوا وصلوا حتى ينجلي أو ينكشف ما بكم).

إذاً فهي آية من آيات الله التي خلقها وهي آية من الآيات التي كونها ودبرها وقرر مسارها ونظامها، ويوم أن يعلم البشر بحدوث خسوف أو كسوف، فإن ذلك لا يضر أو ينقص من قدر آيات الله شيئاً؛ لأن البشر مخبرون عما سيقع، وليسوا قادرين على أن يُوقعوا شيئاً لم يقدره الله؛ لأن البشر يخبرون عما سيقع بما آتاهم الله جل وعلا من وسائل الأسماع والأبصار والأفئدة والعقول والقلوب، لأن البشر يخبرون بما سيقع بما سخر الله لهم من علوم الفلك وعلوم الطبيعة والحسابات وغير ذلك.

أما ولو كانوا صماً، وعمياً، وبلهاً؛ فلن يقدروا أن يخبروا عن إمكان حدوث خسوف أو كسوف قد يقع أو لا يقع.

إذاً فإن علم البشر بحدوث آية من آيات الله لا ينقص من قدرها، ولا يهوّن من شأنها، ولا يقلل من أمرها، فالتفتوا إلى آيات الله جل وعلا ولا تكونوا عن آيات الله غافلين.