للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[الجنة وما فيها من الأماني واللذات المتحققة]

اسألوا آباءكم: كيف كانوا في بيوتٍ صغيرةٍ لو قيل لأحدنا اليوم: اجعل هذه الماعز أو هذه البقرة في هذا البيت لقال: حرام عليك أتسكن البهيمة في هذا المكان الضيق؟ إن تلك البيوت القديمة سكنتها أسر كبيرة، وعوائل متعددة، ثم فتح على الناس في هذه البلاد خاصة ألوان من الدنيا، فسكنوا الشقق، والفلل الكبيرة، وبعضهم سكن القصور، ثم بعد ذلك أتمنى أن هذا القصر مساحة عشرة آلاف فخمسة آلاف صغيرة، أتمنى أن هذه الشقة مساحة أربعمائة فمائتين صغيرة، أتمنى أن هذا البيت ألفين فمساحة خمسمائة صغيرة، الإنسان في هذه الدنيا مهما أوتي يملُّ، حتى من داره التي كان يوماً ما يتمنى أن يكملها ويسكنها، أما في الجنة فدورٌ وقصورٌ عظيمة، لا تظن أنك تتمنى في هذه الحياة فقط، بل في الجنة أنت أيضاً تتمنى: {وَفِيهَا مَا تَشْتَهِيهِ الْأَنْفُسُ وَتَلَذُّ الْأَعْيُنُ} [الزخرف:٧١] تمنى ما شئت في الجنة فإن الله عز وجل يعطيك الأمنية، إن تتمنى الولد أو تتمنى غير ذلك فإن الله عز وجل يعطيك ذلك.

إن الإنسان في الدنيا تواق إلى كل شيء، إذا رأى شيئاً عند غيره لا يملكه تمنى أن يحوزه ويملكه، وإذا حرم من شيءٍ تمنى أن يرزقه، فهذا يتمنى ملكاً وسلطاناً، وذاك يتمنى شهرةً وصيتاً، وذاك يتمنى زوجةً جميلة، وهذا يتمنى تجارة رابحة، والإنسان حينما يسرح في هذه النعم لا تقف هذه الأماني عند حد، ولكن الأمر في الجنة أنك تتمنى فيحقق الله أمنيتك، ففي الحديث: (إن المؤمن إذا اشتهى الولد في الجنة كان حمله ووضعه وسنه في ساعةٍ واحدةٍ كما يشتهي).

فالأماني في أهل الجنة مدركةٌ تنال بإذن الله عز وجل ورحمته، هذا واحدٌ من أهل الجنة كما يخبر النبي صلى الله عليه وسلم يستأذن ربه في الزرع -يريد أن يزرع في الجنة- فيأذن له، فما يكاد يلقي البذر حتى يضرب بجذوره الأرض، ثم ينمو ويكتمل وينضج في نفس الوقت، ففي صحيح البخاري عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يتحدث وعنده رجلٌ من أهل البادية: (إن رجلاً من أهل الجنة استأذن ربه في الزرع، فقال له: ألست فيما شئت؟ -يعني: ما شئت من النعيم وألوان الراحة- قال: بلى، ولكن أحب الزرع، فبذر، فبادر طرف نباته -يعني: نموه أسرع من النظر- واستواءه واستحصاده، فكان أمثال الجبال، فيقول الله تعالى: دونك يا ابن آدم! فإنك لا يشبعك شيء، فقال الأعرابي الذي كان جالساً عند النبي صلى الله عليه وسلم يسمع الحديث: والله لا تجده إلا قرشياً أو أنصارياً، فإنهم أصحاب زرعٍ يا رسول الله! وأما نحن فلسنا بأصحاب زرع، فضحك النبي صلى الله عليه وسلم).