للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[كتاب الله يدعو للتفاؤل]

إن كلام الله عز وجل مليء في إرشادنا بالتفاؤل، وذلك الأمر الذي لم يفارق أنبياء الله في دعوتهم أممهم، لقد لازم التفاؤل أنبياء الله في طريقهم ودعوتهم وتعاملهم مع قومهم، وحينما نستعرض صوراً من هذا، نجد أن هذا التفاؤل إما جاء ابتداءً وإما جاء انتهاءً، وإما جاء لازماً أو ثمرة كرجاء وأمل، وترقب للفرج بعد الشدة.

ضاقت فلما استحكمت حلقاتها فرجت وكنت أظنها لا تفرج

ولرب نازلةٍ يضيق بها الفتى ذرعاً وعند الله منها المخرج

ليس للأنبياء، وليس للعلماء، وليس لكل مسلم يهتدي بهدى الله، ليس له في أيام الرخاء أنفع من الشكر والثناء، وليس له في أيام البلاء أنجع من الصبر والدعاء، وإن ذلك مما يجعل المسلم ينطلق نشيطاً قوياً مهما تتابعت الفتن أو تواترت المصائب من بين يديه أو من خلفه، أوليس ربنا عز وجل يقول: {فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْراً * إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْراً} [الشرح:٥ - ٦] أوليس الله عز وجل يقول: {سَيَجْعَلُ اللَّهُ بَعْدَ عُسْرٍ يُسْراً} [الطلاق:٧] إن الأمور إلى الله، وإن المقادير بيد الله عز وجل، وإذا علمت أن كل ما يجري مما تحب وتكره هو بقضاء الله وقدره، وأن الله لا يقدر عبثاً، وأن الله لا يقدر ظلماً، وأن الله لا يقدر إلا بتمام رحمته التي سبقت غضبه ووسعت كل شيء، أصابك بعد ذلك من الطمأنينة ما كان معدوماً عندك قبل ذلك، ففي الحديث عن أبي العباس عبد الله بن عباس رضي الله عنهما قال: (كنت خلف النبي صلى الله عليه وسلم يوماً، فقال لي: يا غلام! إني أعلمك كلمات: احفظ الله يحفظك، احفظ الله تجده تجاهك، تعرف إلى الله في الرخاء يعرفك في الشدة، واعلم أن ما أخطأك لم يكن ليصيبك، وأن ما أصابك لم يكن ليخطئك، واعلم أن النصر مع الصبر، وأن الفرج مع الكرب، وأن مع العسر يسراً).

قال ابن رجب رحمه الله في هذا الحديث: في قوله صلى الله عليه وسلم: (وأن الفرج مع الكرب) يدل على أن العبد متعبد بالصبر في انتظار الفرج من عند الله عز وجل.