للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[العبرة من الأمم السابقة]

عباد الله: الحذر الحذر من الذنوب، اعلموا أنه لم ينزل بلاءٌ إلا بذنب، ولن يُرفع إلا بتوبة، ولو لم يغير العباد على أنفسهم لَمَا غيَّر الله عليهم: {إِنَّ اللَّهَ لا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ} [الرعد:١١] ولو لزم العباد أمر ربهم ونبيهم لأكلوا من الخيرات من بين أيديهم ومن تحت أرجلهم.

عباد الله: إن شؤم الذنوب عظيم، وبلاء الذنوب إذا ظهرت على الأمة عميم، إن الأبوين آدم وحواء أُخْرِجا من الجنة بسبب ذنب واحد، فما تنتظرون وقد ارتكبنا ألواناً وأصنافاً وأشكالاً من الذنوب؟! ما الذي أغرق قوم نوح حتى علا الماءُ رءوس الجبال؟! ما الذي سلط الريح على قوم عاد حتى جعلتهم كأعجاز نخل خاوية؟! ما الذي أرسل على قوم ثمود الصيحة التي قطعت قلوبهم، وماتوا عن آخرهم؟! ما الذي سلط على بني إسرائيل ألوان العذاب، من قتل وسبي وخراب ديار؟! ما الذي سلط على أهل لبنان اثني عشر عاماً حرباً طائفية شعواء، في كل يوم يرون قتلى وجرحى ومشردين، وأرامل، وأيتاماً، وشيوخاً، وعجائز معذبين؟! والله ما كان ذلك إلا بسبب الذنوب! ما الذي غير الأرزاق في بعض البلاد التي كانت مصدراً لتوريد وتصدير النعم والخيرات؛ فأصابها الجفاف، وأصابها الفقر والجوع، حتى إن البهائم لتموت هزالاً من هذا الذي بها؟! والله إنها الذنوب والمعاصي! ألا ترون الجوع في أفريقيا؟! ألا ترون الجفاف؟! ألا ترون الفقر؟! ألا ترون الحرب في العراق وإيران؟! ألا ترون الفتن الطائفية في لبنان؟! ألا ترون المصائب والتسلط في كثير من الأماكن؟! ألا ترون الفزع والخوف والهلع؟! إلا في هذه البلاد -يا عباد الله- فاتقوا الله، وتذكروا نعمته عليكم، فإنكم في نعمة عظيمة، وإن الكثير عن معرفتها لفي غفلة، وإن الكثير عن إدراك مداها لفي لهو.

نسأل الله أن يردنا إليه رداً جميلاً.

عباد الله: قد يَبْتَلي الله عباده، كي يضَّرَّعوا بين يديه, ويشكوا ضعفهم وفقرهم إليه، وقد أمرنا الله سبحانه بالدعاء، ووعد بالاستجابة فقال: {وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ} [غافر:٦٠].

وقال سبحانه: {ادْعُوا رَبَّكُمْ تَضَرُّعاً وَخُفْيَةً إِنَّهُ لا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ * وَلا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ بَعْدَ إِصْلاحِهَا وَادْعُوهُ خَوْفاً وَطَمَعاً إِنَّ رَحْمَةَ اللَّهِ قَرِيبٌ مِنَ الْمُحْسِنِينَ} [الأعراف:٥٥ - ٥٦] ويقول سبحانه: {وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ} [البقرة:١٨٦] ويقول سبحانه: {وَمَنْ يَعْمَلْ سُوءاً أَوْ يَظْلِمْ نَفْسَهُ ثُمَّ يَسْتَغْفِرِ اللَّهَ يَجِدِ اللَّهَ غَفُوراً رَحِيماً} [النساء:١١٠].

ويقول سبحانه: {وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللَّهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ وَمَنْ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا اللَّهُ وَلَمْ يُصِرُّوا عَلَى مَا فَعَلُوا وَهُمْ يَعْلَمُونَ * أُولَئِكَ جَزَاؤُهُمْ مَغْفِرَةٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَجَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَنِعْمَ أَجْرُ الْعَامِلِينَ} [آل عمران:١٣٥ - ١٣٦].

اعترفوا بذنبكم وتقصيركم، وقولوا: لا إله إلا أنت سبحانك إنا كنا من الظالمين، واستغفروا الله فالاستغفار سبب لنزول الغيث.

يقول النبي الصالح: {وَيَا قَوْمِ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَاراً وَيَزِدْكُمْ قُوَّةً إِلَى قُوَّتِكُمْ} [هود:٥٢] ويقول الله سبحانه: {وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنْتَ فِيهِمْ وَمَا كَانَ اللَّهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ} [الأنفال:٣٣] ويقول الله: {رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنْفُسَنَا وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ} [الأعراف:٢٣].

ويقول نوح لقومه فيما جاء في كتاب الله سبحانه وتعالى: {فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّاراً * يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَاراً} [نوح:١٠ - ١١].

نستغفر الله، نستغفر الله، نستغفر الله من جميع الذنوب والخطايا.

اللهم اغفر لنا ذنوباً علمتَها أنتَ ولم يعلم بها أحدٌ من العباد، اللهم اغفر لنا الجهر والسر والعلن، اللهم إنا نستغفرك ونتوب إليك، ونبوءُ لك بنعمتك علينا، ونبوء بذنوبنا، فاغفر لنا، فإنه لا يغفر الذنوب إلا أنت، لا إله إلا أنت سبحانك إنا كنا من الظالمين.

اللهم اسقنا الغيث ولا تجعلنا من القانطين، اللهم أغثنا، اللهم أغثنا، اللهم أغثنا، اللهم ارحم ضعفنا، اللهم اجبر كسرنا، اللهم ارحم تذللنا.

اللهم إنا عبيد من عبيدك، وخلق من خلقك، اللهم لا تحرمنا بذنوبنا فضلك، ولا تمنعنا بمعاصينا رحمتك، اللهم لا تعذبنا بذنوبنا، ولا تؤاخذنا بما فعل السفهاء منا، اللهم أنت الله لا إله إلا أنت، أنت الحليم العظيم، رب السماوات ورب الأرض ورب العرش العظيم، رب السماوات ورب الأرض ورب العرش الكريم، لا إله إلا أنت سبحانك إنا كنا من الظالمين.

اللهم إنا نستغفرك ونتوب إليك، مما نسمعه من الملاهي، ونستغفرك ونتوب إليك مما نراه بأعيننا التي خلقتها من المنكرات والمحرمات، ونستغفرك ونتوب إليك مما اجترحته أيدينا من السيئات، ومشت أرجلنا إلى الخطيئات، نستغفرك اللهم ونتوب إليك.

اللهم اغفر لنا، اللهم تجاوز عنا، اللهم أغثنا، اللهم أغثنا، اللهم أغثنا، اللهم أغثنا غيثاً هنيئاً مريئاً سحاً غدقاً طبقاً نافعاً مجللاً غير ضار.

اللهم اسق العباد والبهائم والبلاد، اللهم اسق البهائم الرُّتَّع، والمُسَبِّحات الرُّكَّع، والأطفال الرُّضَّع، اللهم إن بنا من الجهد واللأواء ما لا يعلمه إلا أنت، وما لا يكشفه إلا أنت، ولا غنى لنا عن فضلك، يا رب العالمين.

اللهم أغثنا، اللهم أغثنا، اللهم أغثنا وأغث قلوبنا، اللهم أغث قلوبنا بالتوبة، اللهم أغث قلوبنا بالإنابة، اللهم أغث قلوبنا بالرجوع إلى أمرك وسنة نبيك.

اللهم أغثنا، واعطنا ولا تحرمنا، وكن لنا ولا تكن علينا، وانصرنا ولا تنصر علينا، لا إله إلا أنت، لا غنى لنا عن فضلك، ولا طاقة لنا بأنفسنا إن وكلتنا إليها.

ربنا لا تكلنا إلى أنفسنا طرفة عين، ولا أقل من ذلك، اللهم إنا مساكين إلا برحمتك، ضعفاء إلا بقوتك، فقراء إلا بغناك، أذلاء إلا بعزتك، اللهم لا تمنع عنا فضلك، واسقنا واستجب لنا واعطنا.

اللهم آتنا من بركات السماء، وأنبت لنا من بركات الأرض، ما تنبت لنا به الزرع وتدر لنا به الضرع، برحمتك يا رب العالمين.

اللهم اسقنا وأغثنا، وأغث المجدبين أجمعين من أمة محمد يا رب العالمين.

عباد الله: قلبوا أرديتكم اقتداءً بما كان صلى الله عليه وسلم يفعله، وتفاؤلاً بتغيير الأحوال، وغيروا أحوالكم من المعصية إلى الطاعة، ومن العقوق إلى البر، ومن القطيعة إلى الصلة.

اللهم صلِّ وسلم وبارك على نبيك محمد صاحب الوجه الأنور، والجبين الأزهر، وارض اللهم عن الأربعة الخلفاء الأئمة الحنفاء: أبي بكر، وعمر، وعثمان، وعلي، وارض اللهم عن بقية الصحابة أجمعين، وعنا معهم بعفوك ومنك وكرمك، يا أرحم الراحمين.

سبحان ربك رب العزة عما يصفون، وسلام على المرسلين، والحمد لله رب العالمين.