للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[تمكين الله لموسى في الأرض]

اشتد الأمر بين موسى وفرعون، وتمادى فرعون في طغيانه وعناده، وأراد أن يكذب بنبوة موسى، وقال: إن هو إلا ساحر جاء بأخيه معه، وجمع فرعون السحرة أجمعين، وأراد بذلك أن يضل الناس عن النبوءة والدعوة، ولكن الله جل وعلا أبطل كيده وأبطل سحره: {وَلا يُفْلِحُ السَّاحِرُ حَيْثُ أَتَى} [طه:٦٩].

وبعد مضي هذه المدة وموسى يدعو فرعون ويخاطبه بخطابٍ لين، ويدعوه بدعوة وموعظة رقيقة إلا أنه لم يستجب، حتى إذا اشتد الأمر وبلغ أشده، ووصل الأمر بينهم إلى القتل والقتال، لما رأى فشل سحرته، ولما رأى فشل تدجيله وتطبيله، لما رأى فشل ذلك كله، لم يجد إلا أسلوب الجبابرة والطواغيت المعاندين، أسلوب القتل، أسلوب التشريد والإبعاد، فأتبعوهم مشرقين {فَلَمَّا تَرَاءَى الْجَمْعَانِ قَالَ أَصْحَابُ مُوسَى إِنَّا لَمُدْرَكُونَ} [الشعراء:٦١] لما ذهبوا ولم يبق من أمامهم إلا البحر، وفرعون وقومه من خلفهم {قَالَ أَصْحَابُ مُوسَى إِنَّا لَمُدْرَكُونَ * قَالَ كَلَّا إِنَّ مَعِيَ رَبِّي سَيَهْدِينِ * فَأَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى أَنِ اضْرِبْ بِعَصَاكَ الْبَحْرَ فَانْفَلَقَ فَكَانَ كُلُّ فِرْقٍ كَالطَّوْدِ الْعَظِيمِ} [الشعراء:٦١ - ٦٣] وعبر عليه موسى ومن معه من بني إسرائيل {وَأَزْلَفْنَا ثَمَّ الْآخَرِينَ * وَأَنْجَيْنَا مُوسَى وَمَنْ مَعَهُ أَجْمَعِينَ * ثُمَّ أَغْرَقْنَا الْآخَرِينَ} [الشعراء:٦٤ - ٦٦] لما رأى فرعون ومن معه أن البحر أصبح يبساً، وعبر عليه موسى ومن معه لحقوا بهم يريدون أن يعبروا على البحر، لكنها سنة الله جل وعلا، يريد الله أن يغيرها، وأن يبدلها، وأن يعكس قانونها ونظامها لأوليائه وعباده وأنبيائه، أما الكافرون الجاحدون الظالمون فليسوا بأهل أن تغير لأجلهم سنة واحدة، أو أدنى ظاهرة في هذا الكون، فلما عبر موسى ومن معه، عاد البحر كما كان أمواجاً تتلاطم، ومياه تغرق من عليها، ثم أدرك فرعون الغرق: {حَتَّى إِذَا أَدْرَكَهُ الْغَرَقُ قَالَ آمَنْتُ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا الَّذِي آمَنَتْ بِهِ بَنُو إِسْرائيلَ} [يونس:٩٠] لم يقل آمنت أنه لا إله إلا الله وحده لا شريك له، انظروا العناد والجبروت والتجبر والطغيان حتى في آخر ساعات العذاب، وفي آخر ساعات الهلاك لم يقل آمنت أنه لا إله إلا الله، بل قال: {آمَنْتُ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا الَّذِي آمَنَتْ بِهِ بَنُو إِسْرائيلَ وَأَنَا مِنْ الْمُسْلِمِينَ * آلْآنَ وَقَدْ عَصَيْتَ} [يونس:٩٠ - ٩١] ليس ينفعك الإيمان في هذه اللحظة، ولا ينفعك قولك في هذه اللحظة وأنت من المفسدين الضالين المتجبرين المعاندين.