للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[أهم شيء بعد التوبة: العمل لما بعدها]

كنتُ منذ أيام أحدث أحد الإخوة في الكلية، وكان يكلمني عن توبة واحد من الفنانين، فقلت له: يا أخي! توبة الفنان ترك للمعصية لكن ماذا قدم من الطاعة؟ لا تجعل الرجل حينما يتوب إلى الله أنه قد فَتَح القدس بيده، أو حرر كابول بجهاده، أو أنه نشر الإسلام في بقاع كانت الشيوعية ترزح على صدور المسلمين جاثمة فيها، هو فقط ترك المعصية وتاب إلى الله من الفن، تاب إلى الله من الطرب، أما العمل الصالح فهذا شيء آخر.

وكثير منا أيها الإخوة يخلط بين هذا وهذا، يظن أن استقامته تعني بالضرورة -أو الوجه الآخر للعملة- أنه قد خدم الإسلام، وقدم للإسلام أكبر خدمة، ونخشى أن نصاب بالعُجْب {يَمُنُّونَ عَلَيْكَ أَنْ أَسْلَمُوا قُلْ لا تَمُنُّوا عَلَيَّ إِسْلامَكُمْ بَلِ اللَّهُ يَمُنُّ عَلَيْكُمْ أَنْ هَدَاكُمْ لِلْإِيمَانِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ} [الحجرات:١٧].

أقول أيها الإخوة: إن ما نراه في وجوه إخواننا، وفي سَمْت وسلوك شبابنا من الصلاح والاستقامة والعناية بالسنة أمر محمود؛ لكن الكثير وقف عند هذا، تاب إلى الله واعتنى بمظهره، ووقف عند هذه المرحلة وظن أن هذه هي نهاية الطريق، لا يا أخي.

هل رأيت رجلاً يوم أن أزال الأوساخ عن أرضه قال: هنا انتهى البنيان؟! هل رأيت رجلاً حينما أزال القذى والقذر والقاذورات عن أرض يريد أن يبني عليها، بدأ فأزال كل الأوساخ، وقال: الآن انتهى البيت؟! الحقيقة أنتَ بدأتَ أولاً بتنظيف وبإعداد القاعدة، وهي إزالة الشوائب والقاذورات والأوساخ عن قاعدة الأرض ألا وهي قلبك، أما البناء والعمل الصالح والإنتاج وإقامة هذا المبنى الشاهق المتعدد الأدوار الذي يخدم الناس، ويؤوي المساكين ويكون كنفاً لهم ومأوىً عن الشمس والبرد، والزمهرير والحر وغير ذلك، هذا شيء آخر.

فبعضنا أيها الإخوة يقول: هنا عثر حمار الشيخ في العقبة، هنا استقمنا والحمد لله لن نتعدى هذه المرحلة، وهذا لعله من وسوسة الشيطان، ولعله من باب العُجْب، ولعله من عدم شعورنا بعظمة هذا الدين، لعله من عدم شعورنا بعظمة ربنا: {وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ وَالْأَرْضُ جَمِيعاً قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَالسَّمَاوَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ} [الزمر:٦٧].

والله لو أن واحداً كلفه أمير من الأمراء، بَشر ضعيف مسكين، لا يملك لنفسه نفعاً ولا دفعاً ولا ضراً ولا موتاً ولا حياةً ولا نشوراً، لو أن واحداً كلفه أمير من الأمراء، أو مسئول من الوزراء، فضلاً عن حاكم أو ملك من الملوك، لتجده قال: أنت ما تعلم؟! إن هذا الحاكم أو إن هذا الأمير قد أوكل إليَّ مهمةً، وشرفني من بين خدمه وحشمه وأصحابه ووزرائه ومستشاريه بهذه المهمة، فلا غرابة أن تجدني مشتغلاً بها ليلاً ونهاراً، مفكراً بها أعكف عليها، حتى أقدم له ما أراد مني، فإذا علمت أن الله جل وعلا اصطفاك، وجعلك من أمة محمد، وليس بيدك ولا حولك ولا طولك ولا نسبك ولا شرفك أن تكون من أهل الجزيرة، أو تكون في مجتمع مسلم، ما بالك لو أنك بوذيٌّ في أنحاء كمبوديا، أو أنك هندوسيٌّ في أطراف الهند، أو أنك زَرادِشْتيٌّ في أنحاء أدغال أفريقيا أو غير ذلك، ماذا تفعل.

يا أخي الكريم! الله الذي مَنَّ عليك وأكرمك، وبمنه وفضله جعلك من المسلمين، واختارك لتكون واحداً من هذه الأمة، وفضلك على سائر الأمة بالاستقامة، وأودع في قلبك مسئولية الدعوة إلى دينه، وشرف حمل الرسالة، وتبليغ الناس بها، أفليس هذا شرف أي شرف؟! ومنزلة أي منزلة؟!

ومما زادني شرفاً وتيهاً وكدت بأخمصي أطأ الثريا

دخولي تحت قولك يا عبادي وأن صيَّرت أحمد لي نبياً