للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[دواعي سوء تصرف من جاوزن سن الشباب]

أيها الأحبة في الله! إن ما نراه في حال كثير من نساء المسلمين في هذا الزمن، لاسيما اللائي بلغن هذا العمر أو جاوزن الأربعين وقاربن الخمسين، مع إغراق كثيرٍِ منهن في السفاهة والتصابي والمراهقة، إنها والله مراهقةٌ جديدة، إنها والله عودةٌ إلى مراهقة الكهولة، مراهقة الخمسين وما بعد الأربعين، ما الذي يدعوهن إلى ذلك؟ إن الداعي والباعث إلى كثيرٍ من هذه التصرفات: أولاً: الفراغ: فراغ القلوب، وفراغ الوقت.

نعم.

لقد فتح الله علينا أبواباً من الخير كثيرة، وأبواباً من النعم لا تحصى.

كانت المرأة فيما مضى مشغولة بجلب الماء من البئر، وبإعداد الملابس لزوجها، وطهي الطعام، وإعداد شئون أولادها، وترتيب منزلها، لا تجد إلا وقتاً قليلاً للعبادة، ومع هذا كله، فقد عرفنا وعرفتم، ولاحظنا ولاحظتم أن فئةً كبيرةً من النساء اللائي سلفن في عمرٍ مضى مع كثرة مشاغلهن في المنازل كنَّ أقرب إلى الله، وأتقى لله، وأقوم لليل، وأصوم للنهار، وأكثر عبادةً وتهجداً، ولما فتحت علينا شئون الدنيا وأصبح الناس يخدموننا من بلاد الشرق والغرب، أصبحت البيوت مليئة بالخادمات، كان المفترض أن تجتهد -من نالت الفراغ بعد الشغل- في العبادة والطاعة، ولكن من المؤسف حقاً أن نجد أن الوقت أخذ يُملأ بالملاهي وحدائق الحيوانات، وكثير من المناسبات التي لا فائدة فيها، وكثير من اللقاءات التي ربما ملئت بالرقص وسماع الغناء، وربما اجتمعن ورقصن البنات فيها وحصل فيها من المنكرات ما الله به عليم.

أعود وأكرر: إننا لا نثرب أو نحرج أو نحرم على المرأة أن تنال شيئاً من الراحة، أو أن تروح عن نفسها في مناسباتها، ولكن لا يعني ذلك أن تشتغل الليل والنهار وطيلة أيام الأسبوع أو أغلب أيام الأسبوع في مثل هذه المسائل.

ثانياً: بعد الفراغ في الوقت.

فراغ الروح، إن من كان بالله أعرف؛ كان منه أخوف، وإنما العلم الخشية، و {إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ} [فاطر:٢٨]، فمن عرف الله حقاً كان خائفاً منه، ومن أدرك نعم الله قابلها بشكره بعبادته، ولكن كثيراً من النساء ويا للأسف قابلن هذا بفراغ الروح وملئن القلوب باللهو والطرب! إن لكل شيءٍ غذاء ومادةً تناسبه لكي تملأه بها، فلو أن فتاةً أو امرأةً جاءت وقالت: إني عطشى، إني جائعة، نقول لها: اشربي بنزيناً! هل البنزين شرابٌ للعاطشين؟! لا.

إن من كان عطشاناً فإن غذاءه الماء، ومن كان جائعاً هل نلقمه التراب، أو نجعله يعلف الصخرة والحصى؟! لا.

إن من كان جائعاً فغذاؤه الطعام، فما دامت البطون لا يصلح لها إلا ما يناسبها من الطعام، فكذلك القلوب من العبث أن نملأها بغير ذكر الله جل وعلا.

إن كثيراً من الناس جاعوا في قلوبهم وأصابهم العطش، وأقفرت صحاري قلوبهم، وأجدبت ربوع قلوبهم، فذهبوا يستسقون وذهبوا يطلبون الماء والطعام لقلوبهم، فقدموا لهذه القلوب الأغاني لعلها تروى من عطشها، قدموا للقلوب الأفلام لعلها تشبع من جوعها، قدموا للقلوب المجلات الخليعة لعلها تجد شيئاً من حاجتها، قدموا للقلوب السهرات التافهة، والذهاب والإياب، والغدوات والروحات، في غير طاعة الله أو في لهوٍ يفضي إلى معصية الله جل وعلا.

أيها الأحبة! إن الضخ الإعلامي -عبر كثيرٍ من وسائل الإعلام التي كانت المرأة هدفاً رئيساً فيه- حدا بكثيرٍ من النساء أن إلى التنافس، والدليل على ذلك أن تجد جملة وشريحة من النساء ممن أقبلن على الخمسين تنافس وتقلد وتفاخر أن فستانها كفستان الممثلة الفلانية، وأن لباسها كلبس المغنية الفلانية، وأن سهرتها في المكان الذي سهرت فيه الراقصة الفلانية، ووالله إن هذا موجودٌ في مجتمعنا، نسأل الله أن يرد الجميع إليه رداً جميلاً.

ثالثاً: لو كانت المرأة فقيرة لما اشتغلت بهذا.

نعم.

حينما ترى امرأةً سبتها في حديقة الحيوانات، وأحدها في الملاهي، واثنينها في حديقةٍ عامة، وثلاثاؤها في مناسبةٍ سهرة، وأربعاؤها في حديثٍ، وتجد في هذا سهرٌ طويل واشتغالٌ عن طاعة الله، ونومٌ عن صلاة الفجر، ونهارها ضائع والخادمة هي التي تدبر الأطفال وتدير البيت، لو كانت هذه المرأة فقيرة، أو أفغانيةً تستجدي قطعة قماش تستر عورتها وعورة بناتها بها، أو كرديةً لا تدري هل تضع القماش تحت رجلها لكي يقيها من صقيع الجليد والثلج؟ أم تجعله على كتفها؛ لكي يرد عنها شدة البرد والزمهرير لو كانت واحدة من تلك لما فكرت ولما وجدت وقتاً أن تزور حديقة أو ملهاة، ولكن هو شأن بني آدم: {كَلَّا إِنَّ الْإِنْسَانَ لَيَطْغَى * أَنْ رَآهُ اسْتَغْنَى} [العلق:٦ - ٧] لما استغنى بالمال وبالوقت وبالعافية؛ أصبح يصرف ويقلب، وأصبح حال كثيرٌ من النساء يصرفن ويقلبن هذه الأوقات في الملاهي والمسارح ومناسباتٍ لا ترضي الله جل وعلا.

والله لو كانت في الصومال التي تشهد مذابح عنيفة، أو كانت إريتريةً فقيرة، أو في بلادٍ فيها قتلٌ وسفكٌ وتشريدٌ وأرامل ويتامى لما وجدت مكاناً ووقتاً لكي تضيع المال والوقت والصحة، أو مريضةً في كل عشرين ساعة تغسل كلاها لفشلٍ كلوي أصابها، لو كانت مريضةً تحتاج أن تستنشق الأكسجين أو البخار لأزماتٍ في تنفسها تنتابها بين الساعة والساعة، لو كانت مريضةً بشريانٍ أو بصمام، أو مشلولةً لا تستطيع أن تتحرك، والله ما وجدت وقتاً لكي تضيعه في الذهاب والإياب إلى هذه الملاهي وإلى تلك الحدائق وغيرها.

وإني لأنصح أخواتي وبناتي، وأنصح الزوجات والأمهات أن يزرن قسم النساء في دار النقاهة، ولهن وحسبهن حديث النبي صلى الله عليه وسلم: (من زار مريضاً؛ لم يزل في خرفة الجنة حتى يرجع) فلهن الأجر من الله بقول رسول الله صلى الله عليه وسلم، ألا يا صويحبات أمهاتنا! ألا يا بنات مجتمعاتنا! ألا يا معاشر الزوجات! ألا يا معاشر البنات والأمهات! زوروا دار النقاهة؛ لكي تعرف الواحدة نعمة الله عليها، لكي تعرف أنها إن أرادت حاجتها الخاصة قضتها بنفسها، وأن أختاً لها لا تستطيع قضاء حاجتها إلا بوقوف ثلاث ممرضات، إحداهن على صدرها واثنتين على بطنها، حتى تخرج ما بجوفها!! أفلا تحمد الله؟! أفلا تشكر الله؟! أفلا تسبح وتكبر لله جل وعلا؟! هذا خيرٌ لها، لكن الكثير من الناس لا يستعتب أو يعود أو يؤب إلا إذا مسه الشر، إلا إذا حلت به المصيبة، وكما قال الله جل وعلا، وهذا في شأن الذكر والأنثى: {وَإِذَا مَسَّ الْإِنْسَانَ الضُّرُّ دَعَانَا لِجَنْبِهِ أَوْ قَاعِداً أَوْ قَائِماً فَلَمَّا كَشَفْنَا عَنْهُ ضُرَّهُ مَرَّ كَأَنْ لَمْ يَدْعُنَا إِلَى ضُرٍّ مَسَّهُ} [يونس:١٢].

فتاةٌ يوم أن كانت مريضة تتلوى تتقلب تتأوه، امرأة يوم أن كانت مريضة لا تطيق أن ترى أحداً، لا تتمنى أن تقابل أحداً، فلما عوفيت وشفيت اذهبوا بنا اليوم إلى الحديقة؛ اذهبوا بنا إلى ذلك المكان، بالأمس كانت تتلوى وتتضور من الجوع والألم، ولما حضرت تلك الحفلة المطربة والمغنية وآلات الموسيقى والأعواد والفرقة الموسيقية أخذت ترقص يمنةً ويسرةً على هذه الأنغام، ونسيت أنها بالأمس كانت تتلوى على السرير الأبيض في المستشفى!! نعم {وَإِذَا مَسَّ الْإِنْسَانَ الضُّرُّ دَعَانَا لِجَنْبِهِ} يتلوى على جنب {أَوْ قَاعِداً} لا يستطيع أن يستمر نائماً، تارةً يقعد، وتارةً يقف، وتارةً ينقلب على جنبه، وتارةً على ظهره {دَعَانَا لِجَنْبِهِ أَوْ قَاعِداً أَوْ قَائِماً فَلَمَّا كَشَفْنَا عَنْهُ ضُرَّهُ} لما ذاقت تلك المرأة أو الفتاة أو الزوجة أو الأم طعم العافية {مَرَّ كَأَنْ لَمْ يَدْعُنَا إِلَى ضُرٍّ مَسَّهُ} [يونس:١٢] كأنها لم تصب يوماً بمرض، ولم تذق ألماً وسقماً من الأسقام.