للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[وقفة محاسبة مع حقوق الجار]

إنك قد تشكو من جارك، وجارك قد يشكو منك؛ لأنك جار وهو جار، فلنقلب النظر في معاملاتنا وفي جوارنا وفي تصرفاتنا مع من حولنا، ولنجعل أنفسنا مقامهم حينما نريد أن نفعل فعلاً، أو نتصرف تصرفاً، فلنجعل أنفسنا مكان ذلك الجار، هل ترضى لنفسك ذلك الفعل؟ إذا لم ترض هذا الفعل؛ فإن الناس لا يرضونه لأنفسهم، إذا لم ترض الإساءة؛ فإن الناس لا يرضونها، إذا لم ترض الأذى؛ فإن الناس لا يرضونه.

فاتقوا الله معاشر المؤمنين في حقوق الجوار، واجعلوا لأنفسكم ذكراً وسلفاً ويداً صالحةً بعد فراقكم من الدنيا، حيث إذا فارق الإنسان هذه الدنيا ترحم عليه جاره، وذكره بخيرٍ في كل مجلس، وإذا سمع بجار سوء قال: رحم الله فلان، لقد جاورنا وفارق الدنيا، والله ما أزعج خاطرنا بشيء.

هذه هي أعظم صدقةٍ يفعلها الإنسان لنفسه بحسن جواره، أن يجعل من سيرته مع جيرانه سبباً للدعاء له، وأن يجعل من سيرته مع إخوانه سبباً لكثرة الثناء عليه، وفي الحديث أنه: (مرت جنازةٌ، فأثنى الناس عليها خيراً، فقال صلى الله عليه وسلم: وجبت.

ثم مرت جنازة، فذكروا عنها شراً، فقال صلى الله عليه وسلم: وجبت.

فعجب الصحابة من هذا القول! قالوا: يا رسول الله! مرت الأولى وقلت: وجبت.

قال: نعم، وجبت لها الجنة، قالوا: يا رسول الله! مرت الثانية وقلت: وجبت.

قال: نعم.

وجبت لها النار، ذكرتم الأولى بخيرٍ فوجبت لها الجنة، وذكرتم عن الثانية شراً وسوءاً فوجبت لها النار، أنتم شهود الله في أرضه) فاجعلوا لأنفسكم ذكراً عاطراً، وصدقة جارية بالثناء والدعاء لكم بعد فراقكم من هذه الدنيا، بعد أعمارٍ طويلة وعملٍ صالح.

بارك الله لي ولكم بالقرآن العظيم، ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم، أقول ما تسمعون، وأستغفر الله العلي العظيم الجليل لك ولكم، فاستغفروه من كل ذنبٍ، إنه هو الغفور الرحيم.