للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[عاقبة سوء التربية]

الحمد لله منشئ السحاب، ومنزل الكتاب، وهازم الأحزاب، وخالق خلقه من تراب، لا إله إلا هو وحده لا شريك له، عليه توكلت وإليه مآب، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وأزواجه وسلم تسليماً كثيراً إلى يوم الدين.

أما بعد: فيا عباد الله: اتقوا الله تعالى حق التقوى، وتمسكوا بشريعة الإسلام، وعضوا بالنواجذ على العروة الوثقى، واعلموا أن خير الكلام كلام الله، وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار، وعليكم بجماعة المسلمين؛ فإن يد الله على جماعة المسلمين، ومن شذ شذ في النار.

معاشر المؤمنين: كلنا يعلم فضل العلم وطلبه، وقصد الله سبحانه وتعالى فيه، وأهمية العمل به وتعليمه للناس، والصبر على الأذى فيه، وعلمنا -أيضاً- عقوبة الذين يريدون بذلك أغراض الدنيا وشهواتها الخسيسة، وهم غافلون عن العمل به وتعليمه لمن يجهله، إذ أن من علم علماً ثم خالفه، فهو متوعد عليه بأشد العذاب عياذاً بالله من ذلك.

إذا علمنا ذلك كله؛ فعلينا أن نحسن تربية الأبناء، وأن نعلمهم الهدف والقصد والغاية من تعليمهم، أما أن نقول للواحد منهم: غداً تصبح مديراً تملك بناية فخمة، أو سيارة كبيرة، وكذا وكذا ونعلق آمالهم على الشهوات الفانية والحطام الزائل، فذلك ظلم لهم في تربيتهم، وجهل منا إن نحن دعوناهم للعلم والدراسة لأجل ذلك.

معاشر المؤمنين: إن الأبناء إن شبوا على ذلك لم يبالوا بما ارتكبوا في سبيل نيل الشهادة والحصول على الوظيفة بأي أسلوب كان، بغش أو رشوة أو تزوير أو خيانة؛ لأن المربي علق هذه الآمال العريضة في قلب الابن وعقله، ونحن لا نستغرب يوماً أن نسمع عن شاب يبتعث للغرب ليتعلم علوماً نادرة ينفع بها الأمة، لا يلبث أن يطلب الجنسية الغربية، وينسى أمته خلف ظهره؛ لأن المال والجاه والثروة قد حصلت له، فلا داعي لأن يجهد نفسه أكثر من ذلك.

ومما يؤسف له أن كثيراً من شباب العالم الإسلامي ممن يفضلون بعض الخبرات في دول الغرب في شتى مجالات الطب والهندسة، والفيزياء والذرة والأسلحة النووية وغيرها؛ نلاحظ أن كثيراً منهم في بلاد الغرب، أليست أمة الإسلام هي أولى بأبنائها وفلذات أكبادها؟ نعم، هي أولى ولكن لا يجنى من الشوك العنب، فمن أنشأ الطفل ورباه في مراحل تعليمه على نيل الحطام الفاني، والحطام الزائل من الدنيا ومراتبها؛ فإنه لا يعجب من هذه النهاية السيئة.

وأنتم أيها الآباء والأمهات يوم أن تربوا جيلاً متعلماً، يقصد بعلمه وجه الله ونفع الأمة وسد حاجتها عن وجوه الكفرة وغيرهم، إنما تغرسون في نفوسهم العزة والكرامة، فلا يلينون لأي دعوة تستهويهم بالمال والجاه والمنصب لأجل الاستفادة من خبراتهم بعيداً عن بلادهم وأمتهم، وبئست الرعية رعية لا تتعلم إلا لمصالحها الخاصة من وراء الوظائف التي تعمل بها، ولكن لو انخفضت مرتبات أمة من الأمم أو احتاجت في يوم من الأيام؛ فهل سيتراجع أبناؤها عن القيام بمصالح الأمة والبلاد؟ نعوذ بالله من ذلك.

وإننا لنعجب كل العجب يوم أن نقرأ عن سيرة مشايخ الدعوة وعلمائها في مختلف أنحاء هذه المملكة الطيبة، كان الواحد منهم يعلم العامة، ويجلس للقضاء، ويقضي حاجات المعوزين من دون أن يأخذ أجراً ولا جزاءً ولا شكوراً سوى ما عند الله جل وعلا، وأنعم بذلك من جزاء.