للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[العداوة الزوجية]

إذاً: فأعداء الإنسان كثر، وأول العداوة ما كان في النفس، وتحقيقاً لهذا المعنى من العداوة في النفس أيضاً الزوجة فيها عداوة، وكما في الحديث: (إذا بنى أحدكم بجارية أو زوجة أو أمة، فليضع يده على ناصيتها، وليقل: اللهم إني أسألك من خيرها وخير ما جبلت عليه، وأعوذ بك من شرها وشر ما جبلت عليه) أيضاً في الزوجة عداوة، وفيها شر، وربما يتوجه إليك، ويتسلط عليك، ولا حول ولا قوة إلا بالله! وما أكثر الذين ظهرت عداوة زوجاتهم لهم! وليس من شرط العداوة أن يعلو فيها الصراخ، وأن يطول النياح، وأن يكثر العويل، وأن يظهر البكاء، وأن تصل الخصومة إلى المحاكم، قد تكون العداوة كما قال الشاعر:

قد ينبت المرعى على دمن الثرى وتبقى حزازات النفوس كما هي

قد تبقى العداوة متمكنة مستحكمة قاتلة مؤذية، وظاهرها جمال، وظاهرها لذة، وظاهرها صحة، ولذلك بعض الأمراض حينما ترى وجه صاحبها، تقول: ما شاء الله ما هذه العافية؟ ومثاله مادة اسمها (الكورتيزون) هذه مادة يحذر الأطباء المتخصصون من الإغراق في استعمالها، أو استعمالها بلا استشارة، هذه المادة عجيبة جداً، وهي مادة عدوة للإنسان، مادة خطيرة للإنسان، بمجرد أن تدخل عضوه تعطي إفرازات وتقوم بوظائف صناعية، وتعطل الجهاز الذي يعطي الوظيفة الطبيعية، ثم بعد ذلك يظهر على الإنسان صحة في الوجه غير طبيعية، يبدأ وجهه كالمشرق، يسمونه في المصطلح الطبي ( Face Moon ) وجه القمر، ثم يكبر يكبر، وينظر إلى الرجل كأنه ازداد عافية، وازداد صحة، وحقيقة الأمر أن الرجل تتعطل أجهزته الصحية الحقيقية التي تؤدي الوظائف الطبيعية، وهذا السم القاتل (الكورتيزون) يعطي نتائج كذابة في الظاهر قاتلة في الباطن.

إذاً: ليس من شرط العداوة أن يكون لها صياح وصراخ وعويل وبكاء، ولأجل ذلك كم رأينا من رجل ظهرت عداوة زوجته عليه! وكم من امرأة رأينا عداوة زوجها عليها! مع أن ظاهر عش الزوجية المحبة، لكن دلائل العداوة أن الفتاة دخلت على ذلك الزوج وكانت محجبة، فأصبحت سافرة، كانت عفيفة الأذن لا تسمع إلا القرآن، وكلام الله وكلام رسوله، والخطب والمحاضرات والأمور النافعة، فأصبحت مطربة من المطربات، مغنية من المغنيات كانت حسيرة الطرف كسيرة الطرف لا تمد عينها إلى أحدٍ أبداً، فلما تزوجت بذلك العدو، ليس عدواً بالشجار والقتال، وإنما عداوة نفسها، وعداوة شيطانه عليها؛ جعلتها تنتقل إلى مرحلة ضعف، ومرحلة انهيار، وتحول خطير جداً والعكس كذلك كم من شاب عرفناه كان مستقيماً، فلما تزوج انقلب بعد زواجه بعداوة خفية، وظاهرها التعلق والمحبة والتفاني والتعاطف، انقلبت المسألة إلى أن الشاب أصبح يحلق لحيته، ويسبل ثيابه، ويسمع الأغاني، وقطع جلساءه الطيبين بعد أن كان يجلس مع الصالحين، وأصبح عدواً للأبرار بعد أن كان دفاعاً وحصناً منيعاً يدافع عنهم في كل ميدان.