للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[معرفة هوان النفس في جنب الله سبحانه وتعالى]

هذه البداية أيها الأحبة! إن كنا صادقين في الرغبة بالجنة، والرغبة في رضا الله، أن يرضى ربنا عنا، فلا يسخط علينا أبدا، ً إن كنا صادقين مع الله، إن كنا صادقين في هذه الدعوة بقي أن نقول: هناك ثلاث مسائل: أولها: اعرف أنك مهين ذليل حقير في ذات الله وفي جنب الله جل وعلا، فمن أراد سلوك الطريق وهو يشمخ بأنفه في كبرٍ وتصعرٍ وتسلطٍ على العباد، فليعلم أنه أهون عند الله من الجعلان والجنادب، وفي الحديث: (يحشر الله المتكبرين يوم القيامة أمثال الذر يطؤهم الناس بأقدامهم) فأنت وهذا وذاك في يوم الموقف، في المشهد العظيم ربما أنت تمشي فتطأ بقدميك عشرة أو عشرين من الطغاة، أو عشرين من المتكبرين، أو ثلاثين من الظلمة، وأنت لا تراهم، كيف دست عليهم بقدمك! كيف وطأتهم برجلك! كيف لم تلتفت لهم! إنهم كانوا في الدنيا متكبرين متغطرسين متجبرين، لم يذلوا أنفسهم لله، ولم يخضعوا لله، ولم ينقادوا لأمر الله، فكان جزاؤهم يوم الموقف هواناً بين العباد، يطؤهم الصغير والكبير، والعبد والحر والغني والفقير، كلٌّ يطؤهم بأقدامه وهو لا يشعر بهم، فمن أراد طريقاً موصلاً إلى الجنة فليبدأ أن يعرف هوان نفسه، وليدرك ذلة نفسه، وليدرك وضاعة نفسه في جنب الله جل وعلا.

ولا كرامة لهذه النفس إلا بالسجود لله، ولا كرامة لهذا الأنف إلا أن يمرغ بين يدي الله، ولا كرامة لهذه اليد إلا أن ترتفع مكبرة لله، ولا كرامة لهذه القدم إلا أن تثبت في القنوت والقيام لله جل وعلا، اعرف أنك بدون هذا الخضوع لله، وبدون هذه الذلة لوجه الله، وبدون ذلك الاحتقار والهوان من نفسك في جنب الله جل وعلا أنك لن تبلغ شيئاً.

قال الله جل وعلا: {إِنْ هُمْ إِلَّا كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ سَبِيلاً} [الفرقان:٤٤]، وقال: {وَلَقَدْ ذَرَأْنَا لِجَهَنَّمَ كَثِيراً مِنَ الْجِنِّ وَالْأِنْسِ} [الأعراف:١٧٩]، وقال: {لَقَدْ خَلَقْنَا الْأِنْسَانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ * ثُمَّ رَدَدْنَاهُ أَسْفَلَ سَافِلِينَ} [التين:٤ - ٥] ولكن الله قال: {وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلاً} [الإسراء:٧٠] فكيف تجتمع الكرامة ويجتمع الهوان لهذا الإنسان؟ ليس ضدان في القرآن، ولكن الكرامة لمن أذعن وخضع واستجاب، وخشع وأخبت وأناب إلى الله جل وعلا، والهوان لمن استعصى ومن ارتفع وشمخ بأنفه، أو ارتفع بنفسه عن الذلة والعبودية والانقياد لله سبحانه وتعالى.

أرني متكبراً متجبراً هل يحمل في جوفه غير الخراءة والعذرة؟ أرني متغطرساً هل يحمل في عينه غير القذى؟ أرني متكبراً هل يحمل في أنفه إلا المخاط؟ أرني متغطرساً هل يرى في فمه إلا البخر ونتن الرائحة؟ أرني متجبراً هل يحمل في جوفه إلا البول والنجاسة؟ لماذا يفتخر بعض البشر على بعض؟! وبماذا يعلو بعض العباد على بعض؟! إن كانت مقاييس مادية، أو مقاييس الطينية، أو مقاييس التراب، فوالله ثم والله!! إن الإنسان لأنجس مخلوق بعيداً عن الذلة لله والعبودية له سبحانه: {إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ} [التوبة:٢٨].

وأما بالانقياد لوجه الله والاتباع لأوامر الله وأوامر رسوله صلى الله عليه وسلم: (فلأن تزول السماوات والأرض أهون عند الله من قطرة دم مسلم تراق بغير حق) هذه عزة المسلم، يوم أن يكون مسلماً قطرةٌ من دمه أعظم حرمة وأعظم شأناً من زوال السماوات والأرض، ولكن إذا ضل الإنسان عن هذا المنهج وابتعد عن مرضاة الله فحظه جنهم وساءت مصيراً، ولا حول ولا قوة إلا بالله.