للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[حسن اختيار الجلساء]

يا عباد الله: إن من أسباب الاستقامة وحصول الهداية وتحصيل السعادة على أمر الله، ولزوم طاعته وطاعة رسوله صلى الله عليه وسلم: أن يعتني العبد بجلسائه، إن جالست من هم دونك، انحدرت إليهم انحداراً لا يقف عند حد، وإن جالست من هم أعلى منك قدراً في علمهم تعلمت منهم، وإن جالست منهم أعلى منك قدراً في عبادتهم، اجتهدت أن تصل إلى درجتهم في العبادة، وإن جالست من هم أعلى منك قدراً في سمتهم وتقواهم، نافستهم في الخشية في السر والعلانية، وإن خالطت غوغاء الناس وسذجهم وبسطائهم بمعنى: جعلتهم جلساءك في كل صباح، وفي كل مساء، وفي كل ذهاب وإياب، وفي كل حضر وسفر، ما زال عقلك في انحدار حتى تبلغ درجةً ربما لو سمعت من كلامك شيئاً قبل سنين، لأنكرت ما تقوله الآن بالنسبة لما قلته قبل سنين، وما ذاك إلا أن العصمة لرسل الله صلوات الله وسلامه عليهم، وأما سائر العباد، فإن اجتهدوا في طاعة، نالوا الهداية: {وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ} [العنكبوت:٦٩] ومن ضيع نفسه فقد خاب بتضييعها: {قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا * وَقَدْ خَابَ مَنْ دَسَّاهَا} [الشمس:٩ - ١٠] فمن ضيع النفس وأهملها وما زكاها، بل دساها، وتهاون بها، وجعل مرتعها في كل مجلس غيبة ونميمة، وجعل مناها وطربها في كل ذهاب لا فائدة فيه، وفي كل إياب لا مثوبة بعده، فإنه بذلك يتدسى، وينزل إلى منحدرات بعيدة، فالعاقل إذا طلب الهداية، عليه أن يعلم بأن هدايته استجابةً لله، وطاعةً لله، واستقامةً على أمر الله حتى لو ضل من ضل من العقلاء، أو انحرف من انحرف من الصالحين، أو تغير من تغير من الناس، لا تربط هدايتك بهداية فلان، ولا تجعل استقامتك باستقامة فلان، اجعل هدايتك لأن الله أمرك، واجعل بعدك عن المعصية، لأن الله نهاك هذا أولاً.