للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[اختيار الرفقاء والأصدقاء]

الإنسان كما يقول علماء الاجتماع: اجتماعي بطبعه ولابد له من جلساء، ولابد له من أصدقاء.

وعند ذلك تأتي مشكلة ثانية من مشاكل الشباب، وهي اختيار الجليس والصديق، ولو أردنا أن نسأل أنفسنا الآن من بداية مراحل الدراسة الإعدادية -فلنترك الابتدائية لأنها في الغالب مراحل طفولة- أو بداية مراحل الثانوية إلى الجامعة إلى ما بعد التخرج، كم صديق تعرفنا عليه، والله في الحقيقة لنعجز أن نحصر هؤلاء الأصدقاء، ولكن هل ينطبق عليهم قول القائل: زينة في الرخاء، وعدة عند البلاء.

في الحقيقة النادر والقليل القليل من هؤلاء الذين نجدهم في هذا الزمن.

إذاً: فاختيار الصديق من أهم المشاكل التي تواجه الشاب، وكثيراً ما نجد شباباً وثقوا بأصدقاء وجلساء، وبعد ذلك وجدوا يوماً من الأيام أنهم أصيبوا بخيبة أمل وانتكاسة شعور حينما وجدوا أن هذا الصديق صديق مصلحة، وصديق تجارة وصديق هدف وغاية، ولا حول ولا قوة إلا بالله! قد تكون هذه الغاية في مرحلة من مراحل العمر دنيئة وسيئة وخبيثة.

إذاً: فلننتبه إلى مسألة الجليس كما يقول الشاعر:

إذا ما صحبت القوم فاصحب خيارهم ولا تصحب الأردى فتردى مع الردي

عن المرء لا تسأل وسل عن قرينه فكل قرين بالمقارن يقتدي

إذاً: لابد أن نمتثل قول الله جل وعلا لنبيه صلى الله عليه وسلم: {وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ وَلا تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ تُرِيدُ زِينَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَلا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَنْ ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطاً} [الكهف:٢٨] إذا كان هذا خطاب الله جل وعلا لنبيه المعصوم صلى الله عليه وسلم وخاتم الأنبياء والمرسلين وأفضل الخلائق أجمعين، أليس من باب أولى أن نتخذ نحن جلساء صالحين أخياراً، وأريد أن أحدد مقياس الصلاح -والكمال لله جل وعلا- حينما تجد صديقاً كما يقول ابن قدامه في مختصر منهاج القاصدين: وخير الأصدقاء من غلبت حسناته على مساوئه، أهم شيء في هذا الصديق أن يكون صديقاً في الحق لا معيناً على الباطل، أن يذكرك إذا نسيت أمراً من أمور الدنيا والآخرة، وأن يعينك إذا ذكرت هذا الأمر، وبعد ذلك فالزم هذا الصديق وتمسك به فإنه نادر في هذا الزمان، وما كثرة الأصدقاء في هذه الأيام إلا وبال وقد تكون على البعض مصائب، كما يقول القائل:

عدوك من صديقك مستفاد فلا تستكثرن من الصحاب

فإن الداء أكثر ما تراه يكون من الطعام أو الشراب

الطعام والشراب الذي هو محبب للنفس كثير من الأمراض هي بسببها، إذاً: فهذا الصديق وكثرة الأصدقاء الذين لم نصاحبهم على أساس وعلى مبدأ معين فإننا في يوم من الأيام سنتأسف لصداقتهم ونعض على أصابع الندم والخيبة والويل لأننا صاحبناهم أو جالسناهم، وكم من صديق كان سبباً في هلاك صديقه.

هناك أناس لم يحددوا ميزان الصداقة وجالسوا أناساً لم يعرفوا حقائق نواياهم، وبعد ذلك وجدوهم في يوم من الأيام أصحاب مصائب وأصحاب أمور محظورة، يعني: ليس بعيداً عنكم أصحاب مخدرات وأصحاب مشاكل، ويوم من الأيام يقبض على هؤلاء ويقبض على من حولهم وكما يقال: هم القوم لا يشقى بهم جليسهم.

من كان مع الأخيار فله حظ معهم، ومن كان مع الأشرار فينال مما ينالون إما من سوء السمعة، وإما أن يكون شريكاً معهم في العقاب والعذاب عياذاً بالله.

إذاً: علينا -يا معاشر الإخوة- أن نكون دقيقين في تحديد الأصدقاء، ولو أراد الإنسان أن يحدد الصديق الذي يجده عند الحاجة والله إنك لن تجد صديقاً، لو ألمت بك حاجة من حاجات الدنيا اليسيرة وكتبت قائمة بأسماء الذين تعرفهم، تقول: أذهب إلى فلان؟ لا، والله لا آمن عليه، أذهب لفلان؟ ما عنده شيء، أذهب لفلان، ذاك لا يستطيع أن يساعدني، إذاً أين أصدقاؤك الذين تذهب معهم وتسافر معهم، يعني: الأصدقاء معك في حال نعمتك بعيدين عنك في حال حاجتك، ليس والله هؤلاء بأصدقاء، وإنما هم أعداء، وسرعان ما يتكشف لك أن صداقتهم سحابة صيف عن قريب تنقشع، وكما يقول الشاعر:

شيئان ينقشعان أول وهلة شرخ الشباب وخلة الأشرار