للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[المنافقون شر الخلق قاطبة]

الحمد لله غافر الذنب وقابل التوب شديد العقاب ذي الطول، الحمد لله حمداً كثيراً طيباً مباركاً كما ينبغي لجلال وجهه وعظيم سلطانه، الحمد لله على نعمٍ لا تحصى وآلاءٍ لا تنسى، الحمد لله الذي خلقنا من العدم، وهدانا إلى الإسلام، وأطعمنا وسقانا، وكفانا وآوانا فكم ممن لا كافي له ولا مئوي، أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، هو الأول فليس قبله شيء، وهو الآخر فليس بعده شيء، وهو الظاهر فليس فوقه شيء، وهو الباطن فليس دونه شيء، {هُوَ اللَّهُ الَّذِي لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ هُوَ الرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ} [الحشر:٢٢].

{هُوَ اللَّهُ الَّذِي لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْمَلِكُ الْقُدُّوسُ السَّلامُ الْمُؤْمِنُ الْمُهَيْمِنُ الْعَزِيزُ الْجَبَّارُ الْمُتَكَبِّرُ سُبْحَانَ اللَّهِ عَمَّا يُشْرِكُونَ} [الحشر:٢٣].

{هُوَ اللَّهُ الْخَالِقُ الْبَارِئُ الْمُصَوِّرُ لَهُ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى} [الحشر:٢٤].

هو الله مالك الملك يؤتي الملك من يشاء وينزع الملك ممن يشاء، بيده الخير وهو على كل شيءٍ قدير، هو الله الخالق الرافع الباسط، هو الله الذي لا إله إلا هو لا شريك له في ربوبيته فلا مدبر لهذا الكون معه، هو الله الذي لا إله إلا هو لا شريك له في ألوهيته، فلا تجوز العبادة إلا له، ولا التوكل إلا عليه، ولا الاستعانة إلا به، ولا الحاجة إلا فيما عنده، ولا الذبح إلا له، ولا النذر إلا له، ولا الحلف إلا به، ولا يجوز صرف صغيرٍ ولا كبيرٍ من العبادة إلا له، هو الله الذي لا إله إلا هو واحدٌ في ألوهيته فلا يجوز التحاكم إلى غير شرعه، هو الله الذي لا إله إلا هو له الأسماء الحسنى، ليس كمثله شيء هو السميع البصير، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، خير من وطأت قدمه الثرى، وخير من ركب المطي وخير الخلق قاطبة، بلَّغ الرسالة وأدى الأمانة، ونصح الأمة وجاهد في الله حق جهاده، لم يعلم سبيل خيرٍ إلا دلكم عليه، ولم يعلم سبيل شرٍ إلا حذركم منه، ترككم على المحجة البيضاء ليلها كنهارها لا يزيغ عنها إلا هالك، أشهد الخليقة عليكم أنه بلغ الرسالة، وأدى الأمانة، وأشهد الخلق يوم الحج فقال: (ألا هل بلغت؟ قالوا: اللهم نعم، فقال: اللهم فاشهد) أعادها عليهم ثلاثا.

عباد الله! اتقوا الله تعالى حق التقوى واعلموا أن الخلق أهون على الله إن هم كفروا بنعمه وإن كانوا في أعظم منزلة عنده: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ} [آل عمران:١٠٢] معاشر المؤمنين! يا رجال العقيدة يا شباب الأمة! أيها الغيورون على بلادكم! أيها الغيورون على أمتكم! اعلموا أن لكل أمة أعداء وأصدقاء وبينهما منافقون، إن لكل أمة أحباء وأهل ضغينة وأحقاد وبين هؤلاء منافقون، والمنافقون هم شر الخلق قاطبة، إن الذي يظهر عداوته صراحة لا تحتاج إلى دليلٍ لتحديده ومعرفته، لكن المصيبة مصيبة المنافقين الذين {وَإِذَا رَأَيْتَهُمْ تُعْجِبُكَ أَجْسَامُهُمْ وَإِنْ يَقُولُوا تَسْمَعْ لِقَوْلِهِمْ} [المنافقون:٦] {وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ لا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ قَالُوا إِنَّمَا نَحْنُ مُصْلِحُونَ} [البقرة:١١] {وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ آمِنُوا كَمَا آمَنَ النَّاسُ قَالُوا أَنُؤْمِنُ كَمَا آمَنَ السُّفَهَاءُ أَلا إِنَّهُمْ هُمُ السُّفَهَاءُ وَلَكِنْ لا يَعْلَمُونَ} [البقرة:١٣].

إذا قيل لهم: لا تفسدوا في الأرض، لا تفسدوا الأرض بعد إصلاحها: {قَالُوا إِنَّمَا نَحْنُ مُصْلِحُونَ} [البقرة:١١] {أَلا إِنَّهُمْ هُمُ الْمُفْسِدُونَ وَلَكِنْ لا يَشْعُرُونَ} [البقرة:١٢] أولئك المنافقون لا سبيل لكم إلى معرفتهم؛ لأن الله وحده هو الذي يعلم السرائر، لأن الله وحده هو الذي يعلم بواطن القلوب، فليس بسهولة الأمر أن تعرف من هو المنافق بين الناس ولكن لهم علاماتٌ وأمارات {وَلَوْ نَشَاءُ لَأَرَيْنَاكَهُمْ فَلَعَرَفْتَهُمْ بِسِيمَاهُمْ وَلَتَعْرِفَنَّهُمْ فِي لَحْنِ الْقَوْلِ} [محمد:٣٠] كان النبي صلى الله عليه وسلم يعلم المنافقين في المدينة، ومع ذلك كان يعاملهم بالظاهر، بظاهر ما يعلنون ويترك سرائرهم إلى الله جل وعلا، وكان أمين سره صلى الله عليه وسلم في معرفة المنافقين حذيفة بن اليمان، وأعجبوا يوم أن جاء عمر بن الخطاب رضي الله عنه يلحق حذيفة يرجوه ويسأله: [يا حذيفة! أسألك بالله هل عدني رسول الله من المنافقين؟].

الله أكبر -يا عباد الله- رجلٌ يسلك وادياً فيسلك الشيطان وادياً غيره، رجلٌ يوافق قوله حكم كتاب الله، رجلٌ يفرق الشيطان منه، رجلٌ أعز الله به الإسلام وأهله يسأل حذيفة خوفاً على نفسه، ليس في نفسه عجب ليس عنده إعجاب بنفسه يسأل حذيفة أمين سر رسول الله صلى الله عليه وسلم فيقول: [أسألك بالله يا حذيفة هل عدني رسول الله من المنافقين؟ ويقول حذيفة: لست منهم يا عمر ولا تسألني بعدها ولا أخبر أحداً بعدك].