للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[قصة التائب أحمد وصدقه في توبته]

وفي زمننا هذا وفي عصرنا تعود صور التوبة صادقة لامعة، براقة مشرفة، متوجة بصدق اللجوء والرجوع إلى الله جل وعلا، وقبل أن أذكر لكم هذه الحادثة التي ستسمعون وقائعها، وقد يطول المقام بذكرها، أقول: إن الشيطان سيأتي إلى قلوب وعقول البعض ويقول: هذا من نسج الخيال، أو هذا من المبالغة، أو هذا مما يصاغ للتأثير والتعبير، والله ثم والله ما كانت هذه القصة حديث مجالسٍ، وإنما هي من شابٍ لعله يكون من بيننا، هو الذي أخبرني بها، سلسلتها ذهبية، وسندها عالٍ، من هذا الشاب الذي أخبرني بها في مجلسٍ، ودعوته صباح هذا اليوم لأكتب وقائعها ولأسمعكم إياها، هذا الشاب هو الذي يذكرها مع صاحبنا التائب الذي نذكر تفاصيل توبته.

أيها الأحبة! يقول صاحبنا هذا: كنت ذاهباً إلى دولة عربية مجاورة، يستغرق مدة السفر في هذه المهمة يوماً واحداً، ورجعت إلى المطار استعداداً للإياب، وقد أنهكني التعب، لم أجد فندقاً نظيفاً، ولم أتعود السفر، دخلت فندقاً لأول وهلة فإذا بالنساء والرجال والفساد والعهر والدعارة، فقال لي رجل: ما الذي جاء بك إلى هنا، لما رأى من حسن مظهره، وصلاح سمته، فقال: هي والله أول مرة آتي هنا، وليس لي حاجة سوى مهمة تدوم يوماً واحداً، فقال: اخرج يا شيخ عن هذا المكان فليس لائقاً بمثلك وأمثالك، قال: كيف أفعل والنهار يمضي والليل مقبل؟ فمضيت إلى حديقة أجلس فيها، حتى بزغ الصباح، وأنهيت مهمتي، وعدت إلى المطار استعداداً للإياب وأنا في تعبٍ ونصبٍ من هذه الرحلة التي ما ذقت فيها النوم إلا غفوات، فالتفت يمنة ويسرة أبحث عن مكانٍ أجلس فيه، فوجدت مكاناً أعد للصلاة في زاوية هذا المطار، وجدت مصلىً صغيراً فذهبت ونمت فيه نوماً عميقاً؛ لأنني متعبٌ، وفي قرابة وقبيل الظهر استيقظت على بكاء شاب يصلي، فالتفت فإذا بشابٍ فوق العشرين ودون الثلاثين يصلي ويبكي بكاءً مريراً؛ يبكي بكاء زوجةٍ فقدت زوجها وهي تنظر، أو بكاء ثكلى فقدت ولدها من بين يديها، قال: فعدت وقد أعياني التعب والنصب لنومي.

ثم دنا ذلك الباكي بعد لحظات، وأيقظني للصلاة، ثم قال: هل تستطيع أن تنام؟! هل تستطيع أن تنام؟! قلت: نعم.

قال: أما أنا فلا أقدر على النوم، ولا أستطيع أن أذوق طعمه، فقلت له: نصلي وبعد الصلاة يقضي الله أمراً كان مفعولاً.