للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[رجل يشتكي أباه إلى النبي صلى الله عليه وسلم فألزمه طاعته]

فيا عباد الله: الله الله في حق الوالدين بالدعاء لهما، وخفض الجناح، ومن كان والداه كبيرين فإنهما أعظم الفرصة للبر ولنوال أسباب الرحمة، ومضاعفة الدرجات، وتكفير الخطايا والسيئات، جاء في الحديث الذي يرويه مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (رغم أنفه، ثم رغم أنفه، ثم رغم أنفه، قيل: من يا رسول الله؟! قال: من أدرك والديه عند الكبر أحدهما أو كليهما، ثم لم يدخل الجنة) ولقد جاء رجلٌ إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: (يا رسول الله! إن أبي أخذ مالي، فقال صلى الله عليه وسلم: اذهب وائتني بأبيك، فنزل جبريل على النبي صلى الله عليه وسلم فقال: إن الله يقرئك السلام، ويقول: إذا جاءك الشيخ فاسأله عن شيءٍ قاله في نفسه ما سمعته أذناه، فلما جاء الأب -وهو الشيخ- إلى النبي صلى الله عليه وسلم قال له: ما بال ابنك يشكوك، أتريد أخذ ماله؟ فقال: سله يا رسول الله! هل أنفقته إلا على عماته أو أخواته أو نفسي، فقال صلى الله عليه وسلم: دعنا من هذا، أخبرني عن شيءٍ قلته في نفسك ما سمعته أذناك، فقال ذلك الرجل: والله يا رسول الله! آمنا بك وصدقناك، وما زال الله يرينا فيك مزيد صدقٍ ونبوة، إني قلت كلماتٍ في نفسي لم تتحرك بها شفتاي، قلت:

غذوتك مولوداً وعُلتك يافعاً تعل بما أجني عليك وتنهل

إذا ليلةٌ ضافتك بالسقم لم أبت لسقمك إلا ساهراً أتململ

كأني أنا المطروق دونك بالذي طرقت به دوني فعيناي تهمل

تخاف الردى نفسي عليك وإنها لتعلم أن الموت وقتٌ مؤجل

فلما بلغت السن والغاية التي إليها مدى ما كنت فيك أُؤمل

جعلت جزائي غلظةً وفضاضةً كأنك أنت المنعم المتفضل

فليتك إذ لم ترع حق أبوتي فعلت كما الجار المجاور يفعل

فأوليتني حق الجوار ولم تكن عليَّ بمالٍ دون مالك تبخل

فقام النبي صلى الله عليه وسلم وأمسك بتلابيب ولده، فقال: أتسمع؟ أنت ومالك لأبيك، أنت ومالك لأبيك، أنت ومالك لأبيك).

فهل بعد هذا يا عباد الله! يستكثر الابن على والده عطاءً أو يستكثر عملاً أو خدمة؟ والله إن حق الوالدين عظيم، ولن يجزي والدٌ ولده إلا أن يجده مملوكاً فيشتريه ثم يعتقه، ولن يبلغ أحدٌ حق والديه حتى فيما فعله، أو كان يظن بفعله أنه قد نال شيئاً من درجات البر بهما.