للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[الشيخ ابن باز قبل وفاته رحمه الله]

السؤال

فضيلة الشيخ! كثيرٌ من يسأل عن أحوال وأخبار سماحة العلامة الشيخ عبد العزيز بن باز؟

الجواب

والله لا أحد يسأل عن الشمس إذا طلعت، سماحة الشيخ شمسٌ مشرقة أسأل الله عز وجل أن يمد في عمره وهو الآن في عمر التسعين، ماذا أقول وكلنا يكل وينقطع حينما يريد أن يباري جانباً من جوانب سيرة الشيخ:

فمن يباري أبا حفص وسيرته أمّن يحاول للفاروق تشبيها

الشيخ من يباريه في كرمه يكل، ومن يباريه في حلمه يكل، ومن يباريه في علمه يكل، ومن يباريه في صبره على الناس يكل، ومن يباريه في قضاء حوائج الناس يكل، ومن يباريه في تواضعه يكل، وأحمد الله عز وجل أن أرانا في هذا الزمن أو في دبر هذا الزمن من آياته في عباده الصالحين المؤمنين ما يشهد ويؤكد أن هذا الدين يمكن أن تتحقق سماته وصفاته وأحكامه وأركانه وآدابه في مثل هؤلاء العلماء، سماحة الإمام لا يقوم العشرات من الشباب الأقوياء بالدور الذي يقوم به الآن، وإن كان ذلك من شيءٍ فإنما هو ببركة الله عز وجل له وعليه وفيه بإذن الله عز وجل.

سأله رجلٌ موريتانيٌ قدم من المنطقة الشرقية وسأل الشيخ قال: يا شيخ! أنت رجل كبير في السن، وبرنامجك مشغول من قبل الفجر إلى ما بعد العشاء؛ تهجده قبل الفجر، ثم صلاة الفجر، وبعد الصلاة درس، وقد تعمدت مراراً أن أصلي الفجر خلفه في المسجد مراراً فإني أعجب ونحن شباب ما بلغنا الأربعين الواحد يراوح بين قدميه من تعبٍ في الوقوف، والشيخ كأنما هو سارية لا يتحرك، صلاة الفجر والشيخ عبد العزيز بن عبد الله آل الشيخ حريصٌ على السنة بالإطالة في صلاة الفجر والشباب يراوحون بالكعب، يعني: من طول القراءة والشيخ كأنه سارية لا يتحرك بل والله لو كان في المسجد طيرٌ لوقع على رأسه يظنه ليس بمتحرك، ثم بعد الصلاة درس إلى أن ترتفع الشمس أو إلى أول الضحى، ثم يعود إلى الإفطار في بيته والضيوف ينتظرونه من فقراء المسلمين وذوي الحاجات، وفرقٌ بين أن يكون ضيوفك من ذوي الجاه والمناصب والأثرياء والتجار فأنت تسبقهم وترحب وتفخر أنك تضيفهم، لكن إذا كان ضيوفك كل يوم وكل صباح ومساء الفقراء والمساكين وذوي الحاجات لا يمكن أن تصبر وتطيب، قل من يطيق ذلك، ثم يفطر معهم ويكرمهم ويدخل في البيت قليلاً ثم يذهب إلى الإفتاء -رئاسة الإفتاء- وبعد الصلاة جلسات الهيئة الدائمة، ويعود الظهر إلى البيت ليجد أن الضيوف من الفقراء وذوي الحاجات الغالب منهم ينتظرونه في الغداء فيتغدى معهم، ويلاطفهم ويسمع من حاجاتهم ويعرض عليه من معاريض الناس وحوائجهم، ثم يؤذن للصلاة فيقوم يصلي، ويلقي درساً بعد صلاة العصر، ثم يعود ليرتاح شيئاً من الوقت، ثم يستيقظ قبل أذان المغرب لصلاة المغرب ودرس بعد الصلاة أو درس عام في الدروس الرسمية العامة، ثم بعد العشاء تأتي الإذاعة والمقابلات واللجان والأوراق والمعاملات فلا يأوي إلى فراشه إلا وقد أنهكه العمل، وهذا كل يوم لا يعرف إجازة، فيقول هذا الموريتاني: يا شيخ! كيف تصبر على هذا؟ قال: فأعرض عني الشيخ، قال: فسألته ثانيةً وثالثةً وألححت عليه، قال: يا ولدي إذا كانت الروح تعمل فالجوارح لا تشعر.

هذا واضح الآن لو أن شخصاً لا تريده أو لا تحبه يوقفك يتكلم معك، انظر كم تحرك رجليك مرة وكل قليل تنظر الساعة وتتلفت وتمل وتتململ ولو أنك خلوت بحبيبك

إن يكن ليلي يوماً فلكم بت أشكو قصر الليل معه

الليل الطويل قصير دقائق كيف يمر بسرعة؟ لأنك خلوت بشيءٍ تحبه روحك فمضى الليل وأنت لا تشعر به، فكذلك الشيخ يعمل بروحه فجوارحه لا تشعر بذلك، كذلك من صلى صلاة الروح لا تمل جوارحه من الصلاة، أما الذي يصلي صلاة الجوارح وروحه غافلة سرعان ما يتململ في صلاته.