للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[والذين اهتدوا زادهم هدى]

أيها الأحبة: ولما اهتدوا زادهم الله هدىً، أولئك الذين سلكوا طريق الهداية لما اهتدوا زادهم وآتاهم تقواهم، لقد نالوا الهداية بالانقياد وبالاستجابة وبقول: سمعنا وأطعنا {وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ} [العنكبوت:٦٩].

أما أولئك الذي ضلوا وأضلوا كثيراً وضلوا عن سواء السبيل، أما الذين ينهون عن الحق وينأون عنه، أما الذين لم يكفهم أن يحملوا ذنوبهم بل حملوا ذنوب غيرهم: {لِيَحْمِلُوا أَوْزَارَهُمْ كَامِلَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَمِنْ أَوْزَارِ الَّذِينَ يُضِلُّونَهُمْ بِغَيْرِ عِلْمٍ أَلا سَاءَ مَا يَزِرُونَ} [النحل:٢٥] أولئك كيف ضلوا؟ وكيف ضاعوا؟ وكيف حادوا عن جادة الصراط؟ وكيف ضلوا عن سواء السبيل؟ لقد ضلوا يوم أن زين لهم الشيطان أعمالهم، قال الله عز وجل: {وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ أَعْمَالَهُمْ فَصَدَّهُمْ عَنِ السَّبِيلِ فَهُمْ لا يَهْتَدُونَ} [النمل:٢٤] والشيطان لا يريد بهم خيراً لما زين لهم، ذلك كما قال الله: {وَيُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُضِلَّهُمْ ضَلالاً بَعِيداً} [النساء:٦٠].

نعم لقد ضلوا بجليسٍ دعاهم إلى المعصية، ودعاية زخرفت لهم المعصية، وخيالٍ خيل لهم المعصية، ثم جلسوا يتنادون يظنون أنهم في سعادة ولكن يوم القيامة يلعن بعضهم بعضاً، ويتبرأ بعضهم من بعض، ويسب بعضهم بعضاً، كما قال تعالى: {وَيَوْمَ يَعَضُّ الظَّالِمُ عَلَى يَدَيْهِ يَقُولُ يَا لَيْتَنِي اتَّخَذْتُ مَعَ الرَّسُولِ سَبِيلاً * يَا وَيْلَتَى لَيْتَنِي لَمْ أَتَّخِذْ فُلاناً خَلِيلاً * لَقَدْ أَضَلَّنِي عَنِ الذِّكْرِ بَعْدَ إِذْ جَاءَنِي وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِلْإِنْسَانِ خَذُولاً} [الفرقان:٢٧ - ٢٩].

نعم.

لهم قادة في الباطل فاتبعوهم، وجعلوا لهم رءوساً في الشر فانقادوا لهم، وحسبوا أنهم يهدونهم إلى صراطٍ وهم يضلونهم إلى سوء العذاب ولا حول ولا قوة إلا بالله، وما ينفعهم قولهم يوم القيامة: {وَقَالُوا رَبَّنَا إِنَّا أَطَعْنَا سَادَتَنَا وَكُبَرَاءَنَا فَأَضَلُّونَا السَّبِيلا} [الأحزاب:٦٧] ثم يدعون على من قادهم إلى الضلالة فيقولون: {رَبَّنَا آتِهِمْ ضِعْفَيْنِ مِنَ الْعَذَابِ وَالْعَنْهُمْ لَعْناً كَبِيراً} [الأحزاب:٦٨].

أولئك مساكين قد غرهم كثيرٌ من الناس، وبعض الضالين إذا ناقشته في ضلاله وفي معصيته، قال لك: أكثر الناس هكذا، وأكثر الناس يفعلون هكذا، وهل الكثرة حجة؟ وهل العوام حجة؟ وهل الطغام حجة؟ وهل الفئام حجة؟ أوليس الله جل وعلا يقول: {وَإِنْ تُطِعْ أَكْثَرَ مَنْ فِي الْأَرْضِ يُضِلُّوكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ} [الأنعام:١١٦] لقد اتبعت الكثرة وما ذاك إلا لهوى في النفس، ومن تبع هواه فقد ضل والله جل وعلا يقول: {وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنِ اتَّبَعَ هَوَاهُ بِغَيْرِ هُدىً مِنَ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ} [القصص:٥٠].

يا أخي الحبيب! إن طائفة من الشباب ضلوا باتباع سادة في الشر والباطل، وضلوا بسبب جلساء زينوا لهم المعاصي، وضلوا بسبب العناد والإمعان، وضلوا بسبب التكبر، بعضهم يتكبر على الحق والانقياد له، بعضهم يقول: وإذا التزمت أفأجلس مجالس هؤلاء الضعفاء أو أكون في زيهم وسمتهم، أو أحرم نفسي ما عودت نفسي عليه، لقد عود نفسه ألواناً من المنكرات ولا يريد أن يتركها، تكبر عن أمر الله وأمر رسوله.

والله جل وعلا توعد الذين يتكبرون عن الانقياد للحق بأن يصرف قلوبهم عنه، قال تعالى: {سَأَصْرِفُ عَنْ آيَاتِيَ الَّذِينَ يَتَكَبَّرُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَإِنْ يَرَوْا كُلَّ آيَةٍ لا يُؤْمِنُوا بِهَا وَإِنْ يَرَوْا سَبِيلَ الرُّشْدِ لا يَتَّخِذُوهُ سَبِيلاً وَإِنْ يَرَوْا سَبِيلَ الْغَيِّ يَتَّخِذُوهُ سَبِيلاً ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَذَّبُوا بِآياتِنَا وَكَانُوا عَنْهَا غَافِلِينَ} [الأعراف:١٤٦].

أولئك الذين أسرفوا في الضلالة فأضلهم الله: {كَذَلِكَ يُضِلُّ اللَّهُ مَنْ هُوَ مُسْرِفٌ مُرْتَابٌ} [غافر:٣٤] ولما أعرضوا عن ذكر الله قيض لهم شيطاناً وهو قرين لهم يقودهم ويصدهم ويغريهم ويخادعهم ويقول لهم: إنكم على حق، وصدق الله حيث قال: {وَمَنْ يَعْشُ عَنْ ذِكْرِ الرَّحْمَنِ نُقَيِّضْ لَهُ شَيْطَاناً فَهُوَ لَهُ قَرِينٌ * وَإِنَّهُمْ لَيَصُدُّونَهُمْ عَنِ السَّبِيلِ وَيَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ مُهْتَدُونَ * حَتَّى إِذَا جَاءَنَا قَالَ يَا لَيْتَ بَيْنِي وَبَيْنَكَ بُعْدَ الْمَشْرِقَيْنِ فَبِئْسَ الْقَرِينُ} [الزخرف:٢٦ - ٣٨].

أيها الأحبة: إن بعض الشباب الذين ضلوا وأمعنوا في الضلالة قست قلوبهم وطال عليهم الأمد، والله يناديهم فيقول: {أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَنْ تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللَّهِ وَمَا نَزَلَ مِنَ الْحَقِّ وَلا يَكُونُوا كَالَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلُ فَطَالَ عَلَيْهِمُ الْأَمَدُ فَقَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ فَاسِقُونَ} [الحديد:١٦].

قال مالك بن دينار: ما ضرب عبدٌ بعقوبة أعظم من قسوة القلب.

فيا أيها الشاب الذي ضل وزل وقسا قلبه: عد إلى الله فإن الله يفرح بتوبتك فرحاً عظيماً.

أخي الحبيب: والله لو اتبعت أمر الله وهدى الله فلن تجد ضنكاً ولا ضيقاً ولا سقماً ولا مرضاً: {فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلا يَضِلُّ وَلا يَشْقَى * وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكاً وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى * قَالَ رَبِّ لِمَ حَشَرْتَنِي أَعْمَى وَقَدْ كُنْتُ بَصِيراً * قَالَ كَذَلِكَ أَتَتْكَ آيَاتُنَا فَنَسِيتَهَا وَكَذَلِكَ الْيَوْمَ تُنْسَى} [طه:١٢٣ - ١٢٦].