للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[خطر التلبيس على العلماء في فتاوى الطلاق]

وهو أمرٌ وقع فيه كثيرٌ من الناس، وتساهلوا فيه وتوغلوا فيه وأوغلوا إيغالاً ضر أنفسهم، فإذا عاد الواحد إلى رشده وصوابه، وذهبت السكرة، وجاءت الفكرة، ذهب إلى شيخٍ أو عالمٍ من العلماء ليحلل له زوجته، من ذا الذي يرد عليه زوجته، فيأتي يقول: يذكرون أن هناك عالماً قال كذا وكذا، ويذكرون أن هذا عالمٌ قال كذا وكذا، ثم بعد ذلك يذهب ليتتبع الرخص، وقد يكذب فيما يخبر به، ليجد مدخلاً أو فجوةً تحل له زوجته بظاهر ما يسمعه المفتي، وإلا فحقيقة الأمر بينه وبين ربه إذا كان أوقع الطلاق على صفةٍ تجعل الأمر بائناً بينونةً كبرى، فإن رجعته زنا، وإن عودته حرامٌ، والعياذ بالله! هذا أمرٌ أيضاً عرفته وعلمته من رجلٍ طلق طلاقاً علم منه أنه قد أبان زوجته بينونةً كبرى، فذهب إلى أحد العلماء الأجلاء، أسأل الله أن يمدهم بالصحة والعافية، فذهب إليه وأخبره، فقال: يا ولدي أسأل الله أن يخلف عليك زوجتك بخيرٍ منها، ولقد استعجلت في أمرٍ لك فيه أناة، فذهب يبحث عن شيخٍ آخر، وعن شيخٍ ثالث، وعن شيخٍ رابع، وعن شيخٍ خامس، حتى يجد من يكذب عليه، وإلا فإن العلماء لا يحلون لأحدٍ ما حرم الله عليهم، لكن تجد الواحد منهم يبالغ أو يغير أو يحرف في الكلام، حتى يجد مدخلاً يرى أنه سبيلٌ لرد زوجته عليه، وكما قلنا فهذا عودٌ إلى زنا، وعودٌ إلى حرامٍ والعياذ بالله، وذلك إذا كان ما تلفظ به، وأوقعه من لسانه يدل على قطع هذه العلاقة قطعاً تاماً ويبين عقد الزوجية بينونةً كبرى.

إذاً يا عباد الله! فلننتبه لهذا الأمر، ولا نهدد نساءنا بالطلاق، فإن الذي يهدد زوجته بالطلاق، فذلك دليلٌ على ضعفه وحمقه وجهله، هل ضاقت أسباب الأدب، وهل ضاقت أسباب العلاج، وهل تعسرت سبل حل المشاكل إلا أن يهدد الإنسان بالطلاق والفرار؟! إن هناك أموراً كثيرةً قد بينها الله سبحانه وتعالى في كتابه الكريم، فمنها هجر المرأة، ومنها ضربها ضرباً غير مبرحٍ إذا أتت بفعلٍ يحتاج إلى شيءٍ من الضرب الخفيف، وخير الناس الذي لا يضرب زوجته.

أما أن يذهب بعضهم فيقول: أنت طالقٌ إن ذهبتي إلى هؤلاء! وأنتِ طالقٌ إن لم تأتي إلى هؤلاء! وإن فعلتِ كذا وكذا فأنت طالق! فإن هذا استهتارٌ وإهدارٌ لعقد الزوجية وعدم احترامٍ وعدم مبالاةٍ بهذا العقد والرابطة الكريمة، نسأل الله جل وعلا أن يمن علينا وعلى جميع المسلمين بالتثبت في جميع الأمور.

وإن من واجب الإنسان إذا أراد أن يقدم على أمر الطلاق ألا يوقعه فجأة، بل عليه إذا كان جازماً وإذا كان متأملاً، وإذا كان مصراً على هذا الأمر، أن يذهب بزوجته إلى بيت أهلها ثم يستشير من يعرف فيه العلم والحلم والأناة، ثم يخبره بذلك، فلعله يدله على أمر خير له من الطلاق، فيعود وقد رد زوجته إلى البيت ولم تعلم بما عزم عليه، أما أن يعود إلى ردها بعد طلقةٍ واحدةٍ أو طلقتين وله حق الرجعة فيها، فإن ذلك يبقي جرحاً أليماً في قلب المرأة؛ لا تنسى ذلك اليوم الذي طلقها فيه، وأخرجها من بيتها، وأرسل حوائجها ولوازمها وأدخلها على بيت أهلها، إن هذا يومٌ مشهودٌ بالنسبة للمرأة، لا تنساه طيلة حياتها، ويبقى طعنةً أليمةً داميةً في قلبها.