للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[من أسباب الهلاك: كراهية الصلاح للأمة]

المصرون على الهلاك أولئك الذين يريدون لنا ألا تصلح بيوتنا ومجتمعاتنا وأمتنا؛ لأن الله جل وعلا قد جعل سنة كونية إن نحن اجتهدنا في الإصلاح أن الله لا يهلكنا، وإن تهاونا ورأينا المعروف يضمحل ويقل، والمنكر يزيد ويكبر وسكتنا، وكلٌ جعل عمامته على وجهه وكأن الأمر لا يعنيه، هذا مؤشر الهلاك، قال تعالى: {فَلَوْلا كَانَ مِنَ الْقُرُونِ مِنْ قَبْلِكُمْ أُولُو بَقِيَّةٍ يَنْهَوْنَ عَنِ الْفَسَادِ فِي الْأَرْضِ إِلَّا قَلِيلاً مِمَّنْ أَنْجَيْنَا مِنْهُمْ وَاتَّبَعَ الَّذِينَ ظَلَمُوا مَا أُتْرِفُوا فِيهِ وَكَانُوا مُجْرِمِينَ} [هود:١١٦] اسمع: {وَمَا كَانَ رَبُّكَ لِيُهْلِكَ الْقُرَى بِظُلْمٍ وَأَهْلُهَا مُصْلِحُونَ} [هود:١١٧] يعني: إذا أصلحنا أنفسنا فإن الله لن يهلكنا، وإذا تساهلنا وقعد بعضنا يثبط بعضاً وقع الهلاك.

ما رأيت أقبح من الذين يلومون المصلحين على العمل، تجد عبداً من عباد الله وداعية من الدعاة إلى الله مجتهداً في الإصلاح، فإذا ابتلي بنوعٍ من أنواع البلاء يأتي أحد عامة الناس، ويقول: ما الذي جعله يتدخل في الناس؟ لماذا يتدخل فيما لا يخصه؟ نحن أمة خير فضلنا الله لأننا نأمر بالمعروف وننهى عن المنكر، ونصلح مجتمعاتنا وندعو إلى الله، أما أمة الماعز هذه ليست أمة الإسلام، أمة الغنم! أمة النعاج! هذه ليست أمة الإسلام.

ولذلك كما قال صلى الله عليه وسلم: (أنتم يومئذٍ كثير) تصور! الأمة جفنة من الطعام وكل الأيدي تخدش وتأكل من الطعام، وتنهش من كل جانب: (تتداعى عليكم الأمم كما تتداعى الأكلة إلى قصعتها، قالوا: أو من قلة نحن يا رسول الله؟ قال: لا.

أنتم يومئذٍ كثير -الآن العالم الإسلامي مليار مسلم، ولن يغلب اثنا عشر ألفاً من قلة، ولكن قال صلى الله عليه وسلم- أنتم يومئذٍ كثير ولكنكم غثاء كغثاء السيل، يصيبكم الوهن، وينزع الله المهابة من صدور أعدائكم؟ قالوا: وما الوهن يا رسول الله؟ قال: حب الدنيا وكراهية الموت) أصبحت أمة غثائية إلا من رحم الله وقليلٌ ما هم، ولو كانت أمة شهادة أمة تضحية أمة فداء أمة تتاجر بالدم ما يقتربها صربي ولا يقتربها كرواتي ولا شيوعي ولا غربي ولا نصراني.

نقول أيها الأحبة: إن ترك الإصلاح من أسباب الهلاك، والذين يثبطون أو يرجفون بالمصلحين أولئك الذين يريدون الهلاك، ولماذا لا نتعاون على إصلاح بعضنا بعضاً، إصلاح بيوتنا، إصلاح مجتمعاتنا؟ فإن من حذرنا ونهانا وأبعدنا وطردنا عن الإصلاح فذلك الذي يريد هلاكنا علم بذلك أو لم يعلم:

فإن كان لا يدري فتلك مصيبة وإن كان يدري فالمصيبة أعظم